آيات ينبغي أن تجعل في تصانيف براهين النبوة أو ربانية القرآن

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

آيات ينبغي أن تجعل في تصانيف براهين النبوة أو ربانية القرآن

قال تعالى : (والسابقون السابقون (10) أولئك المقربون (11) في جنات النعيم (12) ثلة من الأولين (13) وقليل من الآخرين)

وقال سبحانه بعد ذكر أصحاب اليمين ( المرتبة التي دون المقربين) : ( ثلة من الأولين (39) وثلة من الآخرين)

تأمل قوله سبحانه في المقربين ( وقليل من الآخرين ) وهذا يشهد لما في السنة ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) وقوله ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين )

كل من يقرأ تاريخ أهل الإسلام ويقيمه يجد هذه الحال المذكورة في الآيات فلو طلبت من إنسان أن يقرأ التاريخ الإسلامي ولا ينظر فقط لموضوع الإنجاز السياسي كما هي طريقة غالب المعاصرين وإنما ينظر للبعد العقائدي والتعبدي والسلوكي والسياسي معها أيضاً

وطلبت منه أن يصف حال الأمة بعد عرض هذه الأمور على النصوص المبثوثة في كتب المتقدمين

فلن يصف حال الأمة بأحسن مما في الآيات خصوصاً في وصف السابقين أنهم ( قليل من الآخرين ) وهذا المعنى يثقل على المتأثرين بالحداثة حتى أن بعضهم فجأة صار يؤمن بالأحاديث وصار يستدل بحديث ( أمتي كالمطر ) ليعارض معنى أفضلية المتقدمين والحديث على الخلاف المعروف في صحته والراجح عدمه إنما الكلام فيه على شبه السابقين من المتأخرين بسلفهم ممن تقدم ولا ينفي الانحراف المذكور في النصوص السابقة

كثير من الناس يظن أنك بمجرد ما تكون متأخراً فهذا معناه أنك جمعت علم المتقدمين إلى علمك وهذا معناه أنك صرت أعلم وهذه فكرة حداثية بامتياز تأثر بها حتى بعد الأفاضل

والواقع أن الأمر ليس معلومات فقط بل توفيق وسلامة من الأهواء والأهواء لا تزيدها الأيام إلا كثرة والموفق من عصمه الله حتى أنك لتجد الرجل يتوب من باب من أبواب الهوى فتظنه سيراجع السنة فلا يلبث إلا وقد افتتح باباً جديداً من الهوى يعاكس هواه السابق مناكفة وعناداً

هذه الآيات التي تصف حال الأمة في أكثر من ألف سنة بما أجمع عليه أهل التحقيق في كل فن ينبغي أن تذكر في براهين النبوة وما يدل على ربانية القرآن اللهم اجعلنا من أولئك ( القليل )

فرجل مثل النبي صلى الله عليه وسلم كان له حالان حال الشدة في أصحابه والاستضعاف وفي مثل هذه الحال أنت تحاول النجاة بأصحابك فحسب ولن تفكر بأولين وآخرين

وحال أخرى كان يدخل فيها الناس في دين الله أفواجاً ويتزايدون وفي مثل هذه الحال التنبؤ بسوء حال المتأخرين بعيد كل البعد عما يورثه الفرح برؤية الناس يدخلون في دين أفواجاً من النشوة والسعادة

بل تأمل قوله تعالى : ( والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين )

هذه الآية كأنها نزلت لزماننا ففي زمن الصحابة كان الحال معكوساً في عامته فكان الصحابة من الشباب وآباؤهم وأمهاتهم من أهل الشرك أو يؤمن أهل البيت جميعاً أو يؤمن الرجل وتكفر امراته وابنه ( وقد أنكرت عائشة أن تكون الآية نزلت في أخ لها وذلك أنه أسلم والآية في شقي )

وما كثر مصداق هذه الآية إلا في زماننا هذا لما فشت الانحرافات العقائدية في أبناء الجيل الجديد وتجد كثيراً منهم يخاطب والديه ويخاطبانه بنحو المذكور في الآية فسبحان الله كيف يكون الجاحد بنفسه برهان نبوة !