ورطة مبشر التشيع في تونس

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أرسل لي بعض الأخوة لقاءاً تلفزيونياً على فضائية تونسية للمعمم الإمامي أحمد سلمان ووصف اللقاء بأنه أول لقاء لعالم دين شيعي على فضائية تونسية ، ويبدو أن الروافض الإمامية بدأو بالتفكير بنشر التشيع في تونس

وقع بالأمس بين يدي كتاب لأحمد سلمان كتبه قبل عامين اسمه ( وهم القراءة المنسية ) وهو رد على بعض الإمامية الذين تركوا بعض التشيع وقال أن أئمة أهل البيت علماء صالحين وأن وصفهم بأوصاف فوق بشرية نظرية قمية ( جاءت من العلماء القميين ) وما كانت الشيعة تعرفها قبلهم وحاول أحمد سلمان في هذا الكتاب أن يرد عليه وارتكب جنايات ومغالطات كثيرة فنظرية الرجل لها حظها بين النظر ، ونعم كان هناك نوع غلو في أهل البيت قبل القميين ولكنه كان محل ذم من الشيعة القدامى وأهل البيت والقميون هم من جعلوه أساس المذهب ثم تفاوتوا في غلوهم حتى أن كثيراً من الشيعة اليوم فاق غلوه غلو القميين أنفسهم بل صارت صفات الألوهية تطلق على مثل العباس بن علي بن أبي طالب وهو خارج الأئمة المعصومين فصار الأمر ظلمات بعضها فوق بعض ، وبعض مظاهر الغلو كالقول بالرجعة صدر من بعض الشيعة القدامى الذين رووا عن بعض المنسوبين للعصمة وخالفهم غيرهم ومجرد صحبة المعصوم لا تدل على سلامة عقيدة عند الإمامية ففي أصحاب جعفر الصادق عندهم فرق كثيرة ملعونة مثل الخطابية وكان إمامهم يسمع من جعفر ويظهر التتلمذ عليه

ناقش أحمد سلمان هذه الأطروحة وخلط بين بعض مظاهر الغلو كالقول بالرجعة القديم والغلو الحادث الذي لم يظهر إلا في كلام القميين مثل دعوى أن الأئمة يعلمون الغيب مطلقاً وعلمهم لدني ولهم ولاية تكوينية يخضع لها كل شيء في الكون وأنهم أفضل من الأنبياء عدا نبينا وأن عامة القرآن نزل فيهم ، وحاول أحمد سلمان أن يثبت أن هذه العقائد كانت مشهورة في أصحاب الأئمة الأوائل وبشهادة أهل السنة ! وهكذا يبطل النظرية من أساسها نظرية القراءة المنسية لحال الأئمة

واستدل بهذه الرواية من تاريخ بغداد (2765) أخبرنا الأزهري، قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن البكائي بالكوفة.
وأخبرنا أحمد بن عمر بن روح والحسن بن فهد النهروانيان، قالا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن سلمة الكهيلي بالكوفة، قال البكائي: حدثنا، وقال الكهيلي أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، قال: حدثنا يحيى الحماني قال: حدثنا شريك، عن أبي السابغة النهدي، عن حبة العرني، قال: لما فرغنا من النهروان، قال رجل: والله ” لا يخرج بعد اليوم حروري أبدا، فقال علي: مه، لا تقل هذا، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنهم لفي أصلاب الرجال، وأرحام النساء، ولا يزالون يخرجون حتى تخرج طائفة منهم بين نهرين، حتى يخرج إليهم رجل من ولدي فيقتلهم فلا يعودون أبدا “

ثم علق على هذه الرواية أن حبة العرني وهو من أصحاب علي يرى أن علياً يعلم ما في أرحام النساء وما في أصلاب الرجال وهذا شبيه عقيدة القميين !

وقد ضربت كفا على كف من هذا الاستدلال العجيب فغاية ما في الخبر أن حبة العرني قال أنه لن يخرج خارجي بعد اليوم ، فقال له علي بل سيظهر خوارج في المستقبل وبما أن الخوارج من بني آدم فهم كبقية البشر يكونون في أصلاب آبائهم ثم أرحام أمهاتهم

فقول علي بن أبي طالب خلاصته الحديث المروي في بعض كتب الحديث أن الخوارج لن يزالوا يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال وكل من سمع هذا الخبر وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجوز أن يعبر بمثل تعبير علي إذا قيل له لا خوارج بعد اليوم فسيقول بل سيظهر لاحقاً خوارج وإن رأيتهم قد انقضوا ففي أرحام النساء وأصلاب الرجال منهم بقية ولكن من هي المرأة التي سيكون ولدها خارجياً تحديداً ومن هو الرجل الذي سيكون ولدها خارجياً تحديداً هذا لا يعلم إلا بالوحي وقد انقطع

ثم هذه الرواية أصلاً لا تصح ففي سندها يحيى الحماني وهو متهم بالكذب وأبو السابغة النهدي وهو مجهول وقد وقع من أحمد سلمان تضعيف خطبة من خطب الحسين بجهالة راويها

وإذا كنا سنستدل على أحوال الأئمة مما رواه أصحابهم في كتبنا فإن حبة العرني الذي اعتمده أحمد سلمان روى عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله عثمان تستحييه الملائكة»

فإن قال الإمامي : هذا خبر في تاريخ دمشق ولا يصح عن حبة العرني فيقال : وكذلك خبر تاريخ بغداد الذي اعتمدت عليه فهل تستدل بما تشاء وتترك ما تشاء

وقد تواتر تواتراً معنوياً عن أصحاب علي سواء من وثقوه أو ضعفوه رواية فضائل الصحابة الآخرين دون تحفظ كما روى الحارث الأعور حديث ( أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ) وحتى الكلبي في تفسيره المحفوظ عنه ذكر لفضائل الشيخين ولهذا حفيد علي الحسن بن محمد بن الحنفية لما كتب في الإرجاء ذكر اتفاق الناس على الشيخين واختلافهم في علي وعثمان

وتواتر عنهم تواتراً معنوياً أيضاً روايتهم عن بقية أصحاب رسول الله والتتلمذ عليهم بعيداً عن عقيدة الإمامية فيهم فهذا حبة العرني ثبت عنه أنه روى عن عمر قوله : يا أهل الكوفة , أنتم رأس العرب وجمجمتها وسهمي الذي أرمي به إن أتاني شيء من هاهنا وهاهنا , وإني بعثت إليكم بعبد الله بن مسعود واخترته لكم وآثرتكم به على نفسي إثرة

فإن دفع الإمامي صحة كل هذه الأخبار مع رواية كل الناس لها في البصرة والكوفة وواسط كان أيسر على السني دفع ما يروي القميون وهم في زمان متأخر من الأخبار التي لا يعرفها غيرهم وبعضها أخبار فضائل أعمال لو صحت لرواها الجميع بلا تحفظ يروونها هم فقط من طريق أهل البيت

غير أن روايات أهل السنة أو الشيعة القدامى يعضدها الواقع من حصول الأنساب بين أهل البيت والصحابة وعدم ظهور تلك الأساطير إلا في كتب القميين فيما عاصر الحسن العسكري أو جاء بعده

وحقيقة التدليسات في كتب الإمامية كثيرة جداً وتتبعها يفني العمر ولا تفنى ولا تنتهي فهم يدمنون الكذب والتدليس ولكنني أردت أن أذكر أنموذجاً يكشف الحال عن مبشر التشيع في تونس وتركت الأكاذيب التقليدية وحرصت على ما اجتهد فيه بشكل شخصي حتى تنتفي شبهة التقليد ويثبت تقصد التدليس