والد النبي ﷺ من الرضاع ومزايدات أدعياء المحبة.

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن القيم في «زاد المعاد» (1/81) ط. الرسالة: “ثم أرضعته حليمة السعدية بلبن ابنها عبد الله أخي أنيسة وجدامة وهي الشيماء أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي، واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة”.

وذكر أبو نعيم الأصبهاني والد النبي ﷺ من الرضاعة الحارث بن عبد العزى في معرفة الصحابة. 

وأهمله عامة المصنفين في هذا الباب في الزمان المتقدم.

وقال ابن إسحاق في السيرة: “حدّثني أبي عن رجال من بني سعد بن بكر قالوا: قدم الحارث أبو النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مكّة، فقالت له قريش: ألا تسمع ما يقول ابنك؟ إن الناس يبعثون بعد الموت، فقال: أي بني، ما هذا الّذي تقول؟ قال: نعم، لو قد كان ذلك اليوم أخذت بيدك حتى أعرفك حديثك اليوم.

فأسلم الحارث بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان يقول: لو قد أخذ ابني بيديّ لم يرسلني حتى يدخلني الجنّة”.

رجال الخبر ثقات، غير أن الرجال من سعد بن بكر لا يُعرف من هم، ولكن كثرتهم قد تجبر جهالتهم، وهم يتحدثون عن رجل منهم. 

لا ترى لهذا الرجل ذكراً كثيراً، ومع نزاع أهل العلم فيه ما رموا القائل بكفره بأنه يبغض النبي ﷺ.

ولا ترى أدعياء المحبة الذين كذبوا أحاديث رسول الله ﷺ في أبويه من النسب، واخترعوا أخباراً مكذوبة في أنه أحياهما وأسلما، يتكلمون في أمر الحارث والد النبي ﷺ من الرضاع.

وذلك أن الخبر الوارد في إسلامه محتمل، ولا يوجد له كبير معارض مكافئ.

بينما مسألة أبوي النبي ﷺ تصلح مسألة للامتحان والمزايدة، فهم يعلمون أن من الناس من لا يتجاوز الحديث ويقبل بما فيه، فيأتون لهذه المسألة ويهيجون عواطف العامة، ويُظهِرون أن القائلين بأن أبوي النبي ﷺ في النار وكأن بينهم وبين النبي ﷺ ثأراً لا أنهم آمنوا بأخباره. 

وهم يتقصدون ذلك طلباً للرياسة وحطاً على أهل الحديث، وكذا يفعلون في أمر المولد، فهم يعلمون أن الممتنع ما دفعه للامتناع إلا محبة الاتباع للنبي ﷺ وترك البدع. 

ولكنهم يعشقون المزايدات والمناكفات، ومن الطريف أنهم يتغنون بالأسانيد، وهم من أسقط قيمتها، فزعم من زعم منهم رؤية النبي ﷺ مباشرة، وكثير منهم يزعم رؤيته في المنام رؤية يبني عليها أحكاماً شرعية، وعامتهم قائل بالبدعة الحسنة، ونشروا ما شاء الله أن ينشروا من الأخبار الموضوعة والمنكرة، فأسقطوا كثيراً من فائدة الأسانيد، فإن فائدتها في تحري الصحيح والمحتمل، واعتبار الأخبار التي تنتهي بها الأسانيد مصدر التشريع الرئيسي والأساسي مع القرآن الكريم، ولكن القوم تجاوزوا ذلك كله ولجأوا إلى ما ذكرت لك. 

سبب عدم اشتهار ذكر والد النبي ﷺ من الرضاعة -مع أنها مسألة مما يمكن أن تُبحث والنتيجة العلمية تكون قريبة للعاطفة- أن ليس للشيطان مدخلاً في الأمر في الطعن في الأحاديث الصحيحة، كما رأيت أحدهم قبل أيام يترضى على أبي طالب فلم يكتف بالأبوين حتى أدخل أبا طالب، ومقصده من ذلك طلب المناكفة وافتراع أبحاث جديدة يزعم فيها تحقيق المحبة للنبي ﷺ، وكأن المحبة لا تثبت إلا بالاستدراك على شرعه بالبدع أو تكذيب أخباره التي صححها أهل الحديث وتداولوها، ومحاكاة الروافض والتشنيع على القائلين بها.