هل يقضي المسبوق أول صلاته أم آخرها ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال البخاري في صحيحه [  635 ]:

 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ
قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا
اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ
فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا

اختلف أهل العلم في قوله ( فأتموا ) هل يعني به اقضوا ما فاتكم فيكون
المسبوق يقوم لأول صلاته الذي فاته ؟

أم يعني به فأكملوا صلاتكم فيكون المسبوق يقوم لآخر صلاته

فإن قلت ما فائدة هذا الخلاف ؟

فيقال : إذا قلنا أن المسبوق يقوم لأول صلاته فإنه يقرأ الفاتحة وسورة
قصيرة لأنها الركعة الأولى في حقه ، ويطيل الإطالة المسنونة في الركعة الأولى ، بل
ظاهر قول من يقول أنه يقوم لأول صلاته أنه لا يقرأ التشهد إلا في الركعة التي يسلم
فيها

بمعنى أنه لو أدرك الركعة الثالثة من صلاة المغرب ، فقام المسبوق بعد
سلام الإمام إذا قلنا أنها الركعة الأولى في حقه فإنه لا يتشهد ، وأما إذا قلنا أنها
الركعة الثانية في حقه فإنه يتشهد

قال ابن حجر في الفتح (2/449) :” يَرِدُ بِمَعَانٍ أُخَرَ فَيُحْمَلُ
قَوْلُهُ فَاقْضُوا عَلَى مَعْنَى الْأَدَاءِ أَوْ الْفَرَاغِ فَلَا يُغَايِرُ قَوْلَهُ
فَأَتِمُّوا ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِرِوَايَةِ فَاقْضُوا عَلَى أَنَّ
مَا أَدْرَكَهُ الْمَأْمُوم هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ حَتَّى اُسْتُحِبَّ لَهُ الْجَهْر
فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَقِرَاءَة السُّورَة وَتَرْكُ الْقُنُوت ، بَلْ
هُوَ أَوَّلُهَا وَإِنْ كَانَ آخِرَ صَلَاة إِمَامِهِ لِأَنَّ الْآخِر لَا يَكُون إِلَّا
عَنْ شَيْء تَقَدَّمَهُ ، وَأَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي آخِرِ صَلَاته عَلَى كُلّ حَالٍ ، فَلَوْ كَانَ مَا يُدْرِكُهُ
مَعَ الْإِمَام آخِرًا لَهُ لَمَا اِحْتَاجَ إِلَى إِعَادَة التَّشَهُّد . وَقَوْل
اِبْن بَطَّالٍ إِنَّهُ مَا تَشَهَّدَ إِلَّا لِأَجْلِ السَّلَام لِأَنَّ السَّلَامَ
يَحْتَاج إِلَى سَبْقِ تَشَهُّدٍ لَيْسَ بِالْجَوَابِ النَّاهِضِ عَلَى دَفْعِ الْإِيرَادِ
الْمَذْكُورِ ، وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْمُنْذِرِ لِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى
، وَقَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى اللَّفْظَيْنِ الْجُمْهُور فَإِنَّهُمْ قَالُوا . إِنَّ
مَا أَدْرَكَ الْمَأْمُوم هُوَ أَوَّل صَلَاته إِلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي
فَاتَهُ مِنْ قِرَاءَة السُّورَة مَعَ أُمِّ الْقُرْآن فِي الرُّبَاعِيَّةِ ، لَكِنْ
لَمْ يَسْتَحِبُّوا لَهُ إِعَادَة الْجَهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ،
وَكَأَنَّ الْحُجَّةَ فِيهِ قَوْله ” مَا أَدْرَكْت مَعَ الْإِمَام فَهُوَ أَوَّلُ
صَلَاتِك وَاقْضِ مَا سَبَقَك بِهِ مِنْ الْقُرْآن ” أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
، وَعَنْ إِسْحَاق وَالْمُزَنِيِّ لَا يَقْرَأ إِلَّا أُمَّ الْقُرْآن فَقَطْ وَهُوَ
الْقِيَاس “

والفائدة هنا التي لا يعرفها كثيرون أن اثنين من كبار فقهاء الصحابة
كانوا يرون أن المسبوق يقوم لأول صلاته وهو خلاف المذهب المشهور عندنا اليوم

قال ابن أبي شيبة في المصنف [ 7197]:

 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
إدْرِيسَ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَن عَبْدِ اللهِ ، قَالَ :

 مَا أَدْرَكْت مَعَ الإِمَامِ
فَهُوَ آخِرُ صَلاَتِك.

رواية إبراهيم عن عبد الله بن مسعود صحيحة ، ومعنى أثر ابن مسعود واضح
فإذا جعلت آخر صلاتك ما أدركت مع الإمام فما تقوم إليه أولها فتعامل الركعة التي تصليها
بعد انفصالك عن الإمام معاملة الركعة الأولى في القراءة عند القيام بسورة مع الفاتحة
وفي الجهر إذا كانت الصلاة جهرية وفي التطويل وفي ترك التشهد إذا لم تكن الركعة الأخيرة
في حقك

وقال ابن أبي شيبة في المصنف[  7199]:

 حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ
، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ :

 أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَا
أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ آخِرَ صَلاَتِهِ.

7200: حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ لَمْ يَقْرَأْ فَإِذَا
قَامَ يَقْضِي قَرَأَ.

7201: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ نَافِعٍ
، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : اقْرَأْ فِيمَا تَقْضِي.

وهذا صحيح عن ابن عمر

وقد روي عن علي خلاف هذا

قال عبد الرزاق في المصنف [  3160 ]:

 عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
أَنَّ عَلِيًّا قَالَ:

مَا أَدْرَكْتَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِكَ، وَاقْضِ
مَا سَبَقَكَ بِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ

3161 :  عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ

قتادة لم يدرك علياً

وقول ابن مسعود وابن عمر هو الرواية المشهورة عن أحمد

قال ابن قدامة في المغني (4/289) :” ( 1448 ) فَصْلٌ : وَاخْتَلَفَتْ
الرِّوَايَةُ فِيمَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ ، فَرُوِيَ أَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ
، وَمَا يُدْرِكُهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرَهَا .

وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .

وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَابْنُ سِيرِينَ ،
وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي
يُوسُفَ ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ .

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنْ مَا يَقْضِيه آخِرُ صَلَاتِهِ “

وإليه أميل والله أعلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم