هل عصير الكوكتيل محرم ؟!

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد رأيت من يذهب إلى تحريم عصير الكوكتيل محتجاً بحديث ( نهى عن الخليطين
) وقال هذا خليط بين ثمرتين

وهذا في الحقيقة غلط فإن النهي عن الخلط بين شراب التمر وشراب الرطب بأن
ينبذ التمر والرطب معاً في الماء إنما نهي عنه لأن أحدهما يقوي الآخر على أن يكون مسكراً
فنهي عن ذلك سداً للذريعة وهذه العلة متفق عليها بين من ذهب إلى العمل بهذا الحديث

قال مسلم في صحيحه 5190- [17-…] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ
نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا ، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ
وَالْبُسْرُ جَمِيعًا.

قال النسائي في سننه ذِكْرُ الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا نَهَى عَنْ
الْخَلِيطَيْنِ وَهِيَ لِيَقْوَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ 5578 – أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ
بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وِقَاءِ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ الْمُخْتَارِ
بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْمَعَ شَيْئَيْنِ نَبِيذًا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ
قَالَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفَضِيخِ فَنَهَانِي عَنْهُ قَالَ كَانَ يَكْرَهُ الْمُذَنِّبَ
مِنْ الْبُسْرِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ فَكُنَّا نَقْطَعُهُ.

وهذه العلة لا تنطبق على كل الثمار ، فيما أعلم فإن انطبقت كان لهذا القول
وجاهته

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (32/ 225) :” ولهذا كان الصواب
الذي هو المنصوص عن أحمد وابن المبارك وغيرهما أنه ليس في الخمر شيؤ محترم لا خمرة
الخلال ولا غيرها وأنه من اتخذ خلا فعليه أن يفسده قبل أن يتخمر بأن يصب في العصير
خلا وغير ذلك مما يمتنع تخميره بل كان النبي نهى عن الخليطين لئلا يقوى أحدهما على
صاحبه فيفضي إلى أن يشرب الخمر المسكر “

ثم إن الناس قد اختلفوا في هذا الحديث هل النهي فيه نهي تحريم أم نهي كراهة
، وأغرب أهل الرأي فلم يكرهوه ولم يحرموه فاشتد عليهم بعض شراح الحديث

قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/19) :” رد أبو حنيفة هذه الآثار
برأيه وقال لا بأس بشرب الخليطين من الأشربة البسر والتمر والزبيب والتمر وكل ما لو
طبخ على الانفراد حل كذلك إذا طبخ مع غيره

وهو قول أبي يوسف الآخر”

وقال النووي في شرح مسلم (6/ 485) :” وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو
يُوسُف فِي رِوَايَة عَنْهُ : لَا كَرَاهَة فِيهِ ، وَلَا بَأْس بِهِ ؛ لِأَنَّ مَا
حَلَّ مُفْرَدًا حَلَّ مَخْلُوطًا ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْجُمْهُور ، وَقَالُوا
: مُنَابَذَة لِصَاحِبِ الشَّرْع ، فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة
فِي النَّهْي عَنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَانَ مَكْرُوهًا “

وكلمة ( منابذة لصاحب الشرع ) شديدة لهذا غضب بدر الدين العيني على النووي
واعتبره طاعناً في إمامه

قال بدر الدين العيني في عمدة القاري (31/183) :” قلت هذه جرأة شنيعة
على إمام أجل من ذلك وأبو حنيفة لم يكن قال ذلك برأيه وإنما مستنده في ذلك أحاديث”

ثم ذكر عدة أحاديث واهية لمعارضة الأحاديث الصحيحة وقد أحسن المباركفوري
صاحب تحفة الأحوذي الرد عليه

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (5/93) :” وَقَالَ الْعَيْنِيُّ
فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ : هَذِهِ جُرْأَةٌ شَنِيعَةٌ عَلَى إِمَامٍ أَجَلُّ مِنْ
ذَلِكَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَإِنَّمَا مُسْتَنَدُهُ
فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَيْبِيِّ
عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ اِمْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ زَبِيبٌ فَيُلْقَى فِيهِ تَمْرٌ ،
أَوْ تَمْرٌ فَيَلْقَى فِيهِ زَبِيبٌ . وَرَوَى أَيْضًا عَنْ زِيَادٍ الْحَسَّانِيِّ
حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَتْنِي
صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ قَالَتْ : دَخَلْت مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقِيسِ
عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَأَلْنَا عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَتْ
: كُنْت آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَأُلْقِيهِ فِي الْإِنَاءِ
فَأَمْرُسُهُ ثُمَّ أَسْقِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَى
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ وَسُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ اِبْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ أَفْطَرَ
عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَقَاهُ شَرَابًا فَكَأَنَّهُ
أَخَذَ مِنْهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا الشَّرَابُ
مَا كِدْت أَهْتَدِي إِلَى مَنْزِلِي ؟ فَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ : مَا زِدْنَاك عَلَى
عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ .

فَإِنْ قُلْت : قَالَ اِبْنُ حَزْمٍ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِأَبِي
دَاوُدَ اِمْرَأَةٌ لَمْ تُسَمَّ ، وَفِي الثَّانِي أَبُو بَحْرٍ لَا يُدْرَى مَنْ
هُوَ ، عَنْ عَتَّابٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ صَفِيَّةَ وَلَا يُدْرَى مَنْ هِيَ .

قُلْت : هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا اِنْتَهَى
كَلَامُ الْعَيْنِيِّ .

قُلْت : فِي سَنَدِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَوَّلِ اِمْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ
وَفِي سَنَدِ حَدِيثِهَا الثَّانِي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ وَهِيَ أَيْضًا مَجْهُولَةٌ
، وَفِيهِ أَبُو بَحْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ
: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ
فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَلَوْ سُلِّمَ
أَنَّ بَعْضَهَا يَشُدُّ بَعْضًا فَغَايَةُ مَا فِيهَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ
الْجَوَازِ فَهِيَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَمَا فِي
مَعْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَرْفُوعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ
التَّنْزِيهِ ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ
، وَلِذَلِكَ أَنْكَرُوا عَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
فِي قَوْلِهِ بِالْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ فَاعْتِرَاضُ الْعَيْنِيِّ عَلَى النَّوَوِيِّ
بِقَوْلِهِ : هَذِهِ جُرْأَةٌ شَنِيعَةٌ إِلَخْ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي “

والقول بالتحريم رواية عن أحمد وهو الأصل في النهي والله أعلم

والخلاصة أن عصير الكوكتيل المعاصر الذي يجمع فيه أصناف من الفواكه إن
لم يكن فيها خاصية التخمر بالخلطة فليس مما يدخل في هذا الحديث والله أعلم

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم