فمن المعلومات المشتهرة جداً أن الحجاج
بن يوسف الثقفي الطاغية المبير كان أول من نقط المصحف
وعمدة من قال هذا رواية مرسلة معضلة في
كتاب التصحيف للعسكري أن الناس غبروا يقرؤون
في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه نيفاً واربعين سنة إلى أيام عبد الملك بن مروان،
ثم كثر التصحيف وانتشر بالعراق، ففزع الحجاج بن يوسف الثقفي إلى كتابه وسألهم أن يضعوا
لهذه الحروف المشتبهة علامات، فيقال: إن نصر بن عاصم قام بذلك فوضع النقط أفراداً وأزواجاً
وخالف بين أماكنها، فغبر الناس بذلك زماناً لا يكتبون إلا منقوطاً، فكان مع استعمال
النقط أيضاً يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام، فكانوا يتبعون النقط الإعجام،.
وكذا أوردها دون إسناد وتشكك في بعض حيثياتها
فقال ( فيقال إن نصر بن عاصم قام بذلك )
وهذه الرواية واضحة أن الحجاج إنما أمر
فقط والذي قام بذلك غيره وهي معضلة
والآن إليك الروايات المسندة في أول من
نقط المصحف
قال الداني في كتابه المحكم في نقط المصحف
أخبرنَا يُونُس بن عبد الله قَالَ نَا مُحَمَّد بن يحيى قَالَ نَا أَحْمد بن خَالِد
قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا حجاج عَن
هَارُون عَن مُحَمَّد بن بشر عَن يحيى بن يعمر وَكَانَ أول من نقط الْمَصَاحِف
أخبرنَا عبد بن أَحْمد بن مُحَمَّد فِي
كِتَابه قَالَ نَا احْمَد بن عَبْدَانِ قَالَ نَا مُحَمَّد بن سهل قَالَ نَا مُحَمَّد
بن إِسْمَاعِيل قَالَ قَالَ حُسَيْن بن الْوَلِيد عَن هَارُون بن مُوسَى أول من نقط
الْمُصحف يحيى بن يعمر
أخبرنَا خلف بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
الْمُقْرِئ فِي الْإِجَازَة قَالَ نَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ
أخْبرت عَن أبي بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْفضل التسترِي قَالَ نَا مُحَمَّد بن
سهل بن عبد الْجَبَّار قَالَ نَا أَبُو حَاتِم قَالَ قَرَأَ يَعْقُوب على سَلام أبي
الْمُنْذر وَقَرَأَ سَلام على أبي عَمْرو وَقَرَأَ أَبُو عمر على عبد الله بن ابي إِسْحَاق
الْحَضْرَمِيّ وعَلى نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ وَنصر أول من نقط الْمَصَاحِف وعشرها
وخمسها
قَالَ أَبُو عَمْرو يحْتَمل أَن يكون
يحيى وَنصر أول من نقطاها للنَّاس بِالْبَصْرَةِ وأخذا ذَلِك عَن أبي الْأسود إِذْ
كَانَ السَّابِق إِلَى ذَلِك والمبتدئ بِهِ
وقيل أنه أبو الأسود الدؤلي
قال الداني حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ
قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم الانباري قَالَ ثَنَا ابي قَالَ حَدثنَا أَبُو عِكْرِمَة
قَالَ قَالَ الْعُتْبِي كتب مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ إِلَى زِيَاد يطْلب عبيد الله
ابْنه فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ كَلمه فَوَجَدَهُ يلحن فَرده إِلَى زِيَاد وَكتب إِلَيْهِ
كتابا يلومه فِيهِ وَيَقُول أمثل عبيد الله يضيع فَبعث زِيَاد إِلَى ابي الْأسود فَقَالَ
يَا أَبَا الْأسود إِن هَذِه الْحَمْرَاء قد كثرت وأفسدت من ألسن الْعَرَب فَلَو وضعت
شَيْئا يصلح بِهِ النَّاس كَلَامهم ويعربون بِهِ كتاب الله تَعَالَى فَأبى ذَلِك أَبُو
الْأسود وَكره إِجَابَة زِيَاد إِلَى مَا سَأَلَ
فَوجه زِيَاد رجلا فَقَالَ لَهُ اقعد
فِي طَرِيق أبي الْأسود فَإِذا مر بك فاقرأ شَيْئا من الْقُرْآن وتعمد اللّحن فِيهِ
فَفعل ذَلِك فَلَمَّا مر بِهِ أَبُو الاسود رفع الرجل صَوته فَقَالَ {أَن الله بَرِيء
من الْمُشْركين وَرَسُوله} فاستعظم ذَلِك أَبُو الْأسود وَقَالَ عز وَجه الله أَن يبرأ
من رَسُوله ثمَّ رَجَعَ من فوره إِلَى زِيَاد فَقَالَ يَا هَذَا قد أَجَبْتُك إِلَى
مَا سَأَلت وَرَأَيْت أَن أبدأ بإعراب الْقُرْآن إِلَيّ ثَلَاثِينَ رجلا فأحضرهم زِيَاد
فَاخْتَارَ مِنْهُم أَبُو الْأسود عشرَة ثمَّ لم يزل يخْتَار مِنْهُم حَتَّى اخْتَار
رجلا من عبد الْقَيْس فَقَالَ خُذ الْمُصحف وصبغا يُخَالف لون المداد فَإِذا فتحت شفتي
فانقط وَاحِدَة فَوق الْحَرْف وَإِذا ضممتهما فَاجْعَلْ النقطة إِلَى جَانب الْحَرْف
وَإِذا كسرتهما فَاجْعَلْ النقطة فِي أَسْفَله فَإِن اتبعت شَيْئا من هَذِه الحركات
غنة فانقط نقطتين
فابتدأ بالمصحف حَتَّى أَتَى على آخِره
ثمَّ وضع الْمُخْتَصر الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بعد ذَلِك
ولم يذكر الداني في كتابه هذا الحجاج
نهائياً
وقال ابن أبي داود في المصاحف حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ
مَالِكٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى قَالَ:
«أَوَّلُ مَنْ نَقَّطَ الْمَصَاحِفَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ»
ولم أجد أي رواية تقول أن يحيى فعل ذلك
بأمر من الحجاج وإنما لفق الناس تلفيقاً بين رواية العسكري وهذه الرواية
وبعضهم يذكر الحسن البصري في كتاب الحجاج
الذين نقطوا ! وهذا مستبعد جداً
وقد العسكري في الأوائل أن أول من نقط
المصحف أبو الأسود الدؤلي فهو نفسه لا يعتد بتلك الرواية التي أرسلها بلا إسناد
والخلاصة أن عندنا ثلاثة أقوال :
الأول : أن أول من نقط المصحف أبو الأسود
الدؤلي ولا علاقة للحجاج بهذا
الثاني : نصر بن عاصم الليثي وفقط في
رواية معضلة أنه فعل ذلك بأمر الحجاج وهي رواية ممرضة ب( يقال )
الثالث : يحيى بن يعمر ولا ذكر للحجاج
في روايته ولكن بعض المتأخرين وهم وخلط بينه وبين نصر الذي سبقه
من هذا نعرف أن القول بأن الحجاج أول
من نقط المصحف لا يصح ، لأنها رواية معضلة معارضة بروايات متصلة أخرى ثم إنه حتى الرواية
المعضلة ليس فيها مباشرته للأمر بل ظاهرها أنه لم يفعل ذلك مباشرة
هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم