فإنني والله العظيم أشفق على من يستمع
لعدنان إبراهيم لأنه يستهين بطريقة قذرة بعقول مستمعيه ويستغل ضعفهم الشرعي ويوهمهم
أنهم إذا استمعوا له ولم يقرأوا كتب العلم القديمة وكتب المعاصرين أنهم متحررون وينفرهم
من التراث بشتى الطرق مع أنه قاريء ضعيف في التراث أصالة
ويمكن بعض الناس يظن دعواي هذه تحاملاً
ولكن لنقف هاهنا على بعض ما ورد في خطبته ( قيم جيدة وفلسفة رديئة ) وهذا مما خاره
الله حيث عنونت الخطبة بكلمة رديئة وهي خطبة مليئة بالرديء على طولها فهي ساعتان كاملتان
ولنقف هنا مع تعليقه على حديث ( شفاعتي
لأهل الكبائر من أمتي )
اعترض على صياغة هذا الحديث وقال ( لماذا
صيغ هذه الصياغة ) ؟ لماذا لم يكن شفاعتي للمحسنين من أمتي ؟
ثم قال أن الحديث للأسف في الصحيحين
!
وهذا المقطع لعدنان تم اقتطاعه من خطبته
ونشره في مقطع مستقل ولي عليه عدة تعليقات
أولاً : الحديث ليس في الصحيحين وهذا
كذب على الصحيحين ! وإن المرء ليتصور أن يهم المرء على البخاري لوحده أو على مسلم لوحده
وأما الوهم عليهما جميعاً فجد مشكلة
ثانياً : الحديث صح أو لم يصح خرج في
الصحيحين أو لم يخرج معناه في القرآن
( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء )
وعدنان نفسه نقض فهم المعتزلة للآية في
رده على عدنان الرفاعي
فإن جوبهنا باعتراض عدنان فيقال له المحسن
ليس بحاجة لشفاعة أصلاً وصاحب الصغائر متجاوز عن صغائره إذا اجتنب الكبائر ( الذين
يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم )
ثالثاً : الحديث ليس معناه إسقاط حقوق
الأشخاص ففي عدد من أحاديث الصحيحين حقاً يتم النص على ذنوب لا تنالها الشفاعة
قال البخاري في صحيحه 1402 – حَدَّثَنَا
الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ
فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى
خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ
بِقُرُونِهَا وَقَالَ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ قَالَ وَلَا يَأْتِي
أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ
فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا
يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ
فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ
ومن الناس من قاس كل الحقوق على هذا
وقال البخاري في صحيحه 99 – حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو
بْنِ أَبِي عَمْرٍو وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ظَنَنْتُ
يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ
لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ
فالشفاعة مرتبة على عمل
وقال مسلم في صحيحه 6671- [59-2581] حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا
الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ
، فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ
، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ
مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ
، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا
عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.
وفي خارج الصحيحين
جاء في المطالب العالية 2157 – وَقَالَ
مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي غَالِبٍ
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا تَنَالُهُمَا شَفَاعَتِي ولَنْ تَنَالَهُمَا
شَفَاعَتِي أَوْ لَنْ أَشْفَعَ لَهُمَا أَمِيرٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ عَسُوفٌ وَكُلُّ غَالٍ
مَارِقٍ
وكون المرء يقتصر على حديث واحد ويفهم
فهماً مشوهاً هذه مشكلته
رابعاً : اتفق الناس على أن النبي صلى
الله عليه وسلم لا يشفع لكل مذنبي أمته وإنما يشفع لصنف خاص بدليل حديث القبضة وشفاعة
الملائكة وغيرهم
واعلم رحمك الله أن مذهب الخوارج في تقنيط
أهل الكبائر والحكم عليهم بالخلود في النار هو أيضاً يؤدي إلى إقبال الناس على المعاصي
من وجهين
الأول : أنهم يكفرون المسلم فيستحلون
دمه وعرضه فيقعون في القتل والزنا
الثاني : أن المرء إذا وقع في روعه أنه
لن يغفر أو ما غفر حتى أصابه القنوط أدى به ذلك إلى الانتكاس، وإذا اعتقد العاصي أنه لا مغفرة له كسل عن الطاعات والطاعات مفتاح التوبة
والاعتدال ألا نأمن مكر الله ولا نقنط
من روحه وهذا ما دعا إليه سلفنا الكرام خلافاً لما يروج له عدنان كذباً وفجوراً
قال عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد
1497 – حَدَّثَنَا هَارُونُ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ: «الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ مَطِيَّتَا الْمُؤْمِنِ»
وإذا علم المرء أنه لا إيمان له إلا بالصلاة
وأن الصلاة التي لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر لا تزيده من الله إلا بعداً وأن مع إسلامه
ليس بأمان من أن يمسه عذاب النار وإن لم يخلد
وعدنان إبراهيم يحاول في هذه الخطبة أن
يذم الإرجاء ويرجع إليه تراجع الأمة ، وهذا واقع ولكن في الأزمنة المتأخرة استفحل فحسب
، وإذا كان الأمر كذلك فكل تخويف له أثر إيجابي على السلوك وعليه فأحاديث عذاب القبر
لها أثر إيجابي عظيم على السلوك
وعدنان الذي يحاول ذم الإرجاء هو صاحب
أطروحة اليهود والنصارى لا يلزمهم إتباع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وكلنا يعلم
أن النصارى اليوم بلا شريعة فإذا قلنا لا حد ردة أيضاً فهذه دعوى للمسلمين لكي يتنصروا
وبذلك يتخلصون من كثير من الشرائع ومن أهمها الصلوات الخمس وصوم رمضان وأحكام الربا
وغيرها
فهل علمتم مدى خطورة هذا الشيء المدعو
عدنان إبراهيم ؟
وحاول في خطبته تكرير الكذبات العلمانية
المعتادة أن كل المفكرين في التاريخ الإسلامي زندقوا مع أنه ذكر ابن النفيس وهذا ما
تكلم في عقيدته أحد ، وذكر الجاحظ مع أنه تكفيرياً على مذهب عدنان فهو يكفر معاوية
ويكفر من لا يكفر معاوية وقد بسطت الكلام على هذا في مقالي خرافات علمانية وبينت أن
عامة هؤلاء عاشوا حياة مترفة ومقربة من الملوك وأن من تم تكفيرهم وتعذيبهم من أهل الحديث
أضعاف أضعافهم
ومن تلاعبه واستهانته بعقول الخلق استهانته
بقيمة الزهد في الدنيا ( مع أنه في خطبه عن علي بن أبي طالب مدح زهده )
وقال أن الله سماه خير فكيف يزهد فيه
؟
فيقال له والله عز وجل سماه فتنة أيضاً
وسمى الدنيا كلها لعب ولهو
وما ذكره عن الأحاديث أنها تذم المال
قراءة اجتزائية قذرة فالأحاديث ذمت مسألة الناس
ففي الحديث ( اليد العليا خير من اليد
السفلى ) وحديث ( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم ) وحديث
( لئن يأخذ أحدكم فأساً فيحتطب ) الحديث
وقد صنف الخلال كتاباً أسماه الحث على
التجارة والصناعة لما ظهر الصوفية الذين يزهدون بالعمل مطلقاً حتى مع الحاجة
ولكن الأحاديث التي زهدت بالمال معانيها
جليلة لا يدركها إنسان أكلت الثقافة الغربية المادية عقله
فالفقر فقران فقر اختياري واقع بسبب كون
المرء لا يعمل ولا يكتسب ثم يسأل الناس أن يعطوه فهذا الأمر بمواساته هو مذموم وهو
الذي ورد في حقه حديث ( اليد العليا خير من اليد السفلى )
وفقر اضطراري وقع للمرء بسبب جائحة أصابته
أو ضعف تدبير مع الحرص ولكنه صبر فلم يسرق ولم ينهب ولم يسفك دماً حراماً ولم يتسخط
ولم يبع عرضه فهذا واقع في مصيبة وصابر شأنه شأن الإنسان المبتلى بأي بلاء فهذا محمود
والله عز وجل ذكر هذا الصنف في القرآن
ومدحه
قال الله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ
أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ
الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ
إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)
ويا ليت شعري عامة الحروب التي تقع للناس
إنما سببها حب الدنيا والتنافس عليها ، وهل جاءت السرقة والمراباة والجشع إلا من حب
الدنيا وضعف الزهد فيها
وإلا الناس ليسوا بحاجة أن توصيهم على
دنياهم ولكنك بحاجة أن توصيهم أن يقسطوا في حبها
وخذ سيرة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز
حكما أحسن الحكم وقد كانا زاهدين يلبسان المرقع
فالزهد لا يعني الانقطاع في زاوية ولكن
يعني إخراج الدنيا من القلب بحيث يخرج معها الطمع والجشع والبخل والحسد فهذه كلها أدواء
متفرعة عن الإفراط في حب الدنيا
وادعى عدنان أيضاً أن الأمة الإسلامية
يغلب عليها الجبر من زمن الأمويين ، هذا مع أنه هو في بعض خطبته يقرر كسب الأشعري
ولا أريد الإطالة في مناقشة هذا ولكن
لو كان الجبر محموداً عند الناس فلماذا حين ذموا الجهم بن صفوان نسبوه للجبرية ؟
ثم إنه ادعى أن الأوروبيين لا جبر عندهم وهو نفسه في ردوده على الملاحدة يقول أن نفي الإرادة الحرة هو قول عامة فلاسفة الملاحدة
ولا أدري تارةً ينسبون السلف للتشدد والتكفير
وتارة ينسبونهم للجبر والإرجاء ولا تفهم ما حقيقة الأمر ولو كان الأمر كما يدعي لما
كثر تقريع العصاة في خطاب الفقهاء والوعاظ
وأثنى على الغرب في كونهم يحاسبون الأطباء
وأما نحن فنرجع أخطاء الأطباء للقدر ، وهذا من جهله المزدوج بالحديث والفقه
قال ابن رشد في بداية المجتهد
:” وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ إِذَا أَخْطَأَ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ،
مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَ الْحَشَفَةَ فِي الْخِتَانِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ
فِي مَعْنَى الْجَانِي خَطَأً. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ
شَيْءٌ، وَذَلِكَ عِنْدَهُ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ. وَقَدْ
وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «مَنْ
تَطَبَّبَ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ الطِّبُّ – فَهُوَ ضَامِنٌ» .
وَالدِّيَةُ فِيمَا أَخْطَأَهُ الطَّبِيبُ
عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ جَعَلَهُ فِي
مَالِ الطَّبِيبُ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ أَنَّهَا
فِي مَالِهِ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.”
والبحث في هذا موجود في عامة كتب الفقه
هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم