فإن الاستعمار بصورته التقليدية قد ذهب وما بقي منه إلا القليل ، وسطا
فينا نوع جديد من الاستعمار أشد ضراوةً وأعظم نكاية في أهل الإسلام ، ألا وهو استعمار
العقول
والعجب أن بعض هذه العقول المستعمرة
تدعي الدفاع عن الإسلام ، وإنما تدافع عن إسلام اخترعته هو مزيج بين الإسلام الحقيقي
، وما فرضه عليهم حب مسايرة الأمم الكافرة القاهرة في هذا العصر
فصرنا نرى من يصنف في اشتراكية الإسلام ! ، وديمقراطية الإسلام ! ، وقد
رأيت كتاباً جسر مصنفه أن يسميه ( أحكام الانتخابات )! وإنا لله وإنا إليه راجعون
ومن ذلك كتاب ( الأربعون الحقوقية ) لــ حمزة فتحي الفايع الذي قال فيه
كاتبه في مقدمته :
” وبرغم ذلك كله، قد تجد بعض ضعيفي النفوس، معجباً بهم وبطروحاتهم،
ويغتر بمدنيتهم الباذخة، وعدالتهم الزائفة، وكثرة ترداد (مصطلح حقوق الإنسان)، وأنه
لا يوجد كتاب فقهي يشمل (هذا الباب) !!
ويسهم الخطاب الدعوي في ترسيخ ذلك، بسبب قصوره، وتجاهله لهذه الحقائق،
وعدم تنصيصه على حقوق الناس ومطالبهم، خلا حديثه المتكرر عن حقوق الدول والحكومات،
واحترام الأنظمة.. ونسي الإنسان المهان في بلد إسلامي وعربي، يصدع بالقرآن، وبغص بالثروات
والمكتسبات!!
وهذه خطيئة يتحملها الخطاب الدعوي، الذي يلاحظ ظلم الإنسان وحرمانه من
حقوقه، ولا يتحدث عن ذلك، بل ربما شرعن مثل تلك المظالم والتجاوزات باسم طاعة ولاة
الأمر، والمصلحة العامة، وأحاديث يجعلها في غير سياقها، ولا يذكر معها أخواتها الحقوقية
والإنصافية !!”
فهنا يتهم الأستاذ مخالفيه بأنهم شرعنوا المظالم ، وأنهم اجتزأوا في النصوص
فأما الدعوى الأولى : فيقال في جوابها أن من ضيق العطن اعتبار الأمر بارتكاب
أدنى الضررين إباحةً مطلقة للمحرمات المرتكبة ، وإلا لاتهمنا نبي الله الخضر بإباحة
إتلاف أموال الغير لما خرق السفينة !
والأستاذ بنى كتابه كله على الأحاديث ، فلنذكر له حديثاً واحداً في هذا
الصدد
قال مسلم في صحيحه 4810- [49-1846] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ
، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ
قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا
تَأْمُرُنَا ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ
فِي الثَّانِيَةِ ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، وَقَالَ
: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا
حُمِّلْتُمْ.
4811- [50-…] وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا
شَبَابةُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وَقَالَ : فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ
مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.
أفترى من وصفهم الصحابي بقوله ( يمنعونا حقنا ) يؤدون شيئاً من حقوق المالية
والمعنوية ؟!
لا أقول يؤدون بعضها ويمنعون البعض الآخر بل أزعم أنهم لا يؤدون شيئاً
لأن كلمة ( حقنا ) مفردٌ مضاف يفيد العموم كما هو مقرر في علم الأصول ، وخرج من هذا
العموم الكفر البواح
والقائلون بهذا قائلون أيضاَ بأنه ينبغي نصح الظالم وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
وأما التهمة الثانية : فأنا أتهم بها الأستاذ وأنه بنى رسالته على الاجتزاء
وتحميل النصوص ما لا تحتمل ، ولست صاحب دعاوى محلقة ولا خطب مزوقة كقبيح شأنه ، بل
إليك البينة على ما ادعيت في وقفات
الوقفة الأولى :
قال:” حق الكرامة الإنسانية :
قال صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد،
ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على
أحمر إلا بالتقوى).
رواه أحمد بإسناد صحيح.
هذا الحديث أصل في تكريم الإنسان كما قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي
آدَمَوَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّوَالْبَحْرِ) (الاسراء: 70) وهم ينتمون إلى رب واحد،
وإلى أب واحد، هو آدم عليه السلام، ولا كرامة لأحد على أحد بفضل اللون أو العرق أو
النسب، ولكن الكرامة بالتقوى والدين.. كما قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13) وقوله صلى الله عليه وسلم، (أكرم الناس أتقاهم)”
لو بوب على هذا بفضل التقوى لكان أولى من ذاك العنوان المحلق (حق الكرامة
الإنسانية )
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال ( أيها الناس ) ما أراد إلا أهل الإسلام
بدليل أنه يخطب في أهل الإسلام في الحج في وسط أيام التشريق وما أمامه إلا مسلم
وأيضاً قد ربط الأمر ب( التقوى ) ورأس التقوى توحيد الله عز وجل ، ولا
يقبل عملاً إلا بالتوحيد ، فهذه كرامة الإسلام والعدالة وليس كرامة ( إنسانية) مطلقاً
هكذا
والكافر مهان مأمورٌ بإهانته وإن كان إنساناً قال الله عز وجل : (قَاتِلُوا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ
مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )
قال أبو داود في سننه 5205 – حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن سهيل بن أبي
صالح قال
: خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم
فقال أبي لا تبدءوهم بالسلام فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ” لا تبدءوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق
“
فأين حق كرامة الإنسان ؟
وأما قوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم )
فقال ابن الجوزي في زاد المسير (4/180) :” فإن قيل : كيف أطلق ذكر
الكرامة على الكل ، وفيهم الكافر المُهان؟
فالجواب من وجهين . أحدهما : أنه عامل الكل معاملة المكرَم بالنعم الوافرة
. والثاني : أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة ، أجرى الصِّفة على جماعتهم ، كقوله
: { كنتم خير أُمة أُخرجت للناس }”
وقال ابن عادل الحنبلي في تفسيره المسمى ب( اللباب ) (14/ 327)
:” فإن قيل : خطاب الناس بقوله : « اَكْرَمَكُمْ » يقتضي اشتراك الكال في الإكرام
ولا كرامة للكافر فإنه أضل من الأنعام .
فالجواب : ذلك غير لازم أنه بدليل قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ } [ الإسراء : 70 ] لأن كل من خلق فقد اعترف بربه ، ثم من استمر عليه وزَاد
زِيدَ في كرامته ، ومن رجع عنه أُزِيلَ عن الكرامة “
الوقفة الثانية :
قال:” (2) حق الحياة:
قوله صلى الله عليه وسلم : (لن يزال المرء في فسحةٍ من دينه، ما لم يُصِب
دماً حراماً) رواه البخاري.
هذا الحديث أصل في تحريم قتل النفس، وأن الأصل في الإنسان الحياة، وليس
الموت، خلقه لله لعبادته، ولعمارة الأرض على منهج قويم، ليس له أن يقتل نفساً بغير
حق، ولا أن يقتل نفسه، أو ينتحر بسبب أكدار الحياة ومنغصّاتها كما قال تعالى (وَلاَتَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: 29)، بل نهى الشارع الحكيم،
حتى عن تمني الموت لضر نزل بالإنسان. وهذا دليل راسخ على فضل الحياة ومجاهدة النفس
على عمارتها بالحق والنور المبين، وذلك هو مادة السعادة فيها…”
أقول : هذا الحديث غاية ما فيه حرمة دم المسلم ومن نص الشرع على احترام
دمه من الكفار كالذمي والمعاهد
فأما المعاهد فأمره مؤقت ، وأما الذمي فإنما يصون دمه بدفع الجزية عن يد
وهو صاغر
وبقي المحارب ، وهذا ليس محترم بل قتله واجب _ إن لم يترتب عليه مفسدة
أعظم _ في حال وجود جهاد شرعي صحيح مكتمل الشروط
قال الله تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ
وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ
مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ
فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)
وآيات القتال الراجح أنه ليس فيها ناسخ ومنسوخ بحسب اصطلاح المتأخرين ،
وإنما الأمر فيها يعود إلى حال القوة والضعف ، ومن أطلق النسخ فيها من السلف إنما أراد
التخصيص وهذا اصطلاح لهم معروف
وقال البخاري في صحيحه 25 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُسْنَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا
مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى
اللَّهِ
وهذا الحديث مخرجٌ في الصحيحين ، وقد ادعى بعض أهل العلم تواتره وهو متجه
، فقد خرج في الصحيحين من طريق أربعة من الصحابة المكثرين وهم ابن عمر وأبي هريرة وأنس
وجابر على خلاف يسير في ألفاظهم
وما أعلم عالماً قال بأن الكافر الذي لا يؤدي الجزية محترم الدم ، في حال
وجود القدرة على جهادهم ورفضهم للإسلام ، وإنما اختلفوا فيمن تؤخذ منه الجزية ، فخصصها
بعضهم بأهل الكتاب ، ورأى غيرهم أنها تؤخذ من كل من يقع عليه اسم الكفر ، وليس هذا
محل بسط المسألة
وقتل الكافر مصلحة شرعية معتبرة ، لا يقدم عليها إلا دعوته للإسلام ، أو
أخذ الجزية منه مع الدعوة إلى الإسلام أيضاً
وحتى المسلم يباح دمه في حالات معروفة عند الفقهاء
من أشهرها ما روى البخاري 6878 – حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا
أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ
مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ.
وقوله ( خلقه الله لعبادته ولعمارة الأرض ) إن أراد العطف للمغايرة ، فليس
بشيء فإن الله عز وجل إنما خلق الخلق من أجل عبادته ( وما خلقت الجن الإنس إلا ليعبدون
)
وقال الله تعالى ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) ، فهؤلاء كانوا يعمرون
الأرض وما يعبأ بهم الله عز وجل لأنهم لم يكونوا يوحدونه
وقال مسلم في صحيحه 292- [234-148] حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ،
حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسٍ ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ : اللَّهُ ، اللَّهُ.
فإذا لم يبق في الأرض من يوحد الله عز وجل ، زالت الأرض ومن عليها ، وقامت
القيامة لأن المعلول يزول بزوال علته
الوقفة الثالثة :
قال:” (5) حق الكرامة الشخصية
:
قوله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) كما في المتفق
عليه عن ابن مسعود رضي الله عنهما..
قال القرطبي في المفهم شرح مسلم : (فسوق أي خروج عن الذي يجب من احترام
المسلم، وحرمة عرضه وسبه).
فلا يجوز سب المسلم، ولا شتيمته ولا تعييره، ولا يُنبز باللقب احتراماً
لشخصيته”
ينبغي تقييد هذا بالمسلم العدل الذي لم يرتكب جنايةً أو بدعة
قال أبو داود في سننه 3628 – حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عبد الله
بن المبارك عن وبر بن أبي دليلة عن محمد بن ميمون عن عمرو بن الشريد عن أبيه
: عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ” لي الواجد يحل عرضه وعقوبته
” قال ابن المبارك يحل عرضه يغلظ له وعقوبته يحبس له .
وهذا يشمل جميع المظالم لهذا ما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هند
بنت عتبة قولها ( إن أبا سفيان رجل شحيح ) ، وهذا في حق الأشخاص فكيف بأمر الدين
قال مسلم في صحيحه 6869- [1-2665] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
بْنِ قَعْنَبٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ،
قَالَتْ : تَلاَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ
مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلاَّ اللَّهُ ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ رَبِّنَا ، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ.
وقال مسلم في صحيحه 16- [6-6] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ نُمَيْرٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ
، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ
، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي
أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ ، وَلاَ آبَاؤُكُمْ ، فَإِيَّاكُمْ
وَإِيَّاهُمْ.
ومن حذر الله ورسوله منه وجب علينا التحذير منه أيضاً
وقال الله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)
ولا يعرف المرضي من دون المرضي إلا بالجرح والتعديل ، وإذا جاز تجريح الشهود
على مال جليل أو حقير ، أو على فرج امرأة ، أو جناية تتعلق بشخص بعينه ، فلئن تجوز
في جناية جان على دين بأكمله أولى بالجواز كفعل الأستاذ حمزة وغيره من العابثين
وقال البخاري في صحيحه 1367 – حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا
شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا
وَجَبَتْ قَالَ هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا
أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ
فِي الْأَرْضِ
وهذا الحديث واضح الدلالة على المقصود
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 231) :” ومثل أئمة البدع
من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة او العبادات المخالفة للكتاب والسنة فان بيان
حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لاحمد بن حنبل الرجل يصوم ويصلى
ويعتكف أحب اليك أو يتكلم فى أهل البدع فقال اذا قام وصلى واعتكف فانما هو لنفسه واذا
تكلم فى أهل البدع فانما هو للمسلمين هذا أفضل فبين أن نفع هذا عام للمسلمين فى دينهم
من جنس الجهاد”
الوقفة الرابعة :
قال الدكتور في أربعينه
:” (6) حق السفر والتنقل:
قوله صلى الله وعليه وسلم لأصحابه المستضعفين في مكة (إن بأرض الحبشة ملكاً
لا يُظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه).
رواه البيهقي بسند حسن.
فهذا نص صحيح صريح في حق الإنسان في السفر، وحريته للتنقل، لا سيما عند
الحاجه والاضطهاد، (ألم تكن أرض الله واسعة منها فتهاجروا فيها) ويشبهه حديث الصحيحين
في الذي قتل مائة نفس، قال له الرجل العالم (انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإنّ بها أناساً
يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرضُ سوء). وإنما قال له ذلك
باعتبار أن حق السفر طبيعة بشرية، يفعلها الإنسان للرزق وللتعلم وللسياحة والتفكر ولطلب
الأمن والنجاة من عدو، ولهذا قال تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ) (النساء:
101) وكأنه أمر طبيعي للإنسان…!!”
كأن الدكتور يريد إباحة ما يسمى زوراً وبهتاناً ( هجرة ) وهو فرار بعض
المسلمين من ديارهم إلى ديار الكفر من أجل المعيشة ، ويبذلون لذلك أشياء يسوءني ذكرها
فأين هجرة المسلمين من ديار الكفر التي لا يستطيعون فيها إقامة دينهم إلى
ديار كفر يستطيعون فيها إقامة دينهم ، من الحاصل اليوم من الهجرة من ديار الإسلام إلى
ديار الكفر ، وقد وصل الكفار في هذه الأزمنة إلى درجة من الانحلال الأخلاقي لم يكونوا
عليها في زمن من الأزمنة ، وقد نسخ هذا الحكم بعدما صار للإسلام دار يأوي إليها أهله
وحق التنقل ليس مكفولاً بإطلاق كما يزعم الدكتور بل إن الذهاب إلى الديار
الكفر له أحوال
أولها : الذهاب إلى ديار الكفر التي لا يستطيع فيها المرء إقامة دينه ،
فهذه محرمة باتفاق
لقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } أي في أي فريق كنتم، في فريق المسلمين، أو فريق المشركين؟
{ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ
وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } الآيات
ثانيها : الذهاب إلى ديار الكفر لمن يستطيع إظهار دينه ، ولكن ليس عنده
علم يدفع به الشبهات ، ولا تقوى يدفع بها الشهوات ، فهذا غير جائز اتفاقاً ، وتدل عليه
كل النصوص الشرعية في سد الذريعة وتحريم التعرض للبلاء
ثالثها : الذهاب إلى ديار الكفر لمن يستطيع إظهار دينه ، وعنده علم يدفع
به الشبهات وتقوى يدفع بها الشهوات ، فهذا محل خلاف ليس هذا بسطه والذي ينبغي أن يكون
في سفره مصلحة شرعية ولا يترتب عليه مفسدة مثل تضييعه لمن يعول وغير ذلك
وقد وجب على الكافر إذا أسلم أن يسافر إلى ديار الإسلام ليتعلم أمور دينه
قال النسائي في سننه 2567 – أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى
قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ
أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِنَّ لِأَصَابِعِ يَدَيْهِ أَلَّا آتِيَكَ وَلَا آتِيَ دِينَكَ
وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا بَعَثَكَ رَبُّكَ إِلَيْنَا
قَالَ بِالْإِسْلَامِ قَالَ قُلْتُ وَمَا آيَاتُ الْإِسْلَامِ قَالَ أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ
وَجْهِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ
الزَّكَاةَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ
إِلَى الْمُسْلِمِينَ
وقد حرم في الإسلام التعرب بعد الهجرة ، والعود إلى الديار التي هاجر منها
فأين حق التنقل ؟!
قال البخاري في الأدب المفرد 578- حَدثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، أَوَّلُهُنَّ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ
النَّفْسِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَاتِ، وَالأَعْرَابِيَّةُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وإنما أبيح التعرب في حال الفتنة
قال البخاري في صحيحه 3300 – حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكَ
أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ
الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ.
وقد حرم أيضاً الدخول على ديار القوم المعذبين
قال البخاري في صحيحه 433 – حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ
وقوله ( للسياحة ) هذا استخدام خاطيء شائع لهذه اللفظة فإن السياحة يراد
بها ( الصوم ) أو ( الانقطاع للعبادة في أرض لا أحد فيها ) ، وعلى المعنى الثاني حملوا
الحديث الضعيف ( لا سياحة في الإسلام ) ، وعلى المعنى الأول حملوا قوله تعالى (التَّائِبُونَ
الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
وأما الاستجمام برؤية المناظر الحسنة في بعض الديار فليست سياحة بالمعنى
اللغوي
الوقفة الخامسة :
قال الدكتور في أربعينه
:” ) حق المشورة :
قوله صلى الله وعليه وسلم في صلح الحديبية : (أشيروا عليَّ أيها الناس).
كما في صحيح البخاري
ويُروى نحو ذلك في غزوة بدر وفي حادثة الإفك.
وهذا أصل في إشراك الناس في العملية السياسية، والقرارات المصيرية، لا
سيما وأنها تصدر من الراعي المسئول الذي يرفض الاستبداد، ويأبى حرمان الناس من ذلك،
وفي ذلك من التعاون والمفاهمة، والتواضع، وتعميق اللحمة ما لا يخفى!!”
أقول : هذا عبث ولعب أطفال من الدكتور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم
يوم الحديبية عمل رآه وأوحاه الله إليه ، وما أخذ بمشورة الصحابة فدل أن الشورى غير
ملزمة
قال البخاري في صحيحه 4844 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ
حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ فَقَالَ كُنَّا بِصِفِّينَ فَقَالَ
رَجُلٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ
نَعَمْ فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا
يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ
عُمَرُ فَقَالَ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ أَلَيْسَ قَتْلَانَا
فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ
فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا
فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى
الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا فَنَزَلَتْ
سُورَةُ الْفَتْحِ
واللفظة التي ذكرها الدكتور لم أجدها في صحيح البخاري ، وقد قال الصحابة
(وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ ) فهل حصل قتال وأخذ
النبي بهذه المشورة ؟
قال البخاري في الأدب المفرد 257- حَدثنا صَدَقَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَرَأَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: وَشَاوِرْهُمْ فِي بَعْضِ الامْرِ.
فهل يقال أن في هذه القراءة الصحيحة التربية على الاستبداد والعياذ بالله
وقد قال الله عز وجل (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
قال الطبري في تفسيره : (“فإذا عزمت فتوكل على الله”، فإنه يعني:
فإذا صحِّ عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض
لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك، أو خالفها
)
فتأمل قوله ( أو خالفها ) ، والمشورة إنما تكون لأهل الحل والعقد وأهل
الرأي لا لكل الناس
الوقفة السادسة :
قال:” (12) حق الذات الإنسانية
:
ما ثبت أنه صلى الله وعليه وسلم، قام لجنازة يهودي، فاستنكر الناس فقال
:
(أليست نفساً)؟!
أخرجاه في الصحيحين.
قال ابن حزم رحمه الله :
” نستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء – وإن كانت جنازة كافر – حتى
توضع أو تخلفه , فإن لم يقم فلا حرج ” انتهى”
أقول : من أين لك أن هذا القيام كان لذات اليهودي ولم يكن إعظاماً لأمر
الموت في نفسه
قال النسائي في سننه 1929 – أخبرنا إسحاق قال أنبأنا النضر قال حدثنا حماد
بن سلمة عن قتادة عن أنس :أن جنازة مرت برسول الله صلى الله عليه و سلم فقام فقيل إنها
جنازة يهودي فقال إنما قمنا للملائكة .
ولا يعارض هذا حديث ( أليست نفساً ) لأن كل نفس معها ملائكة
وأما الحسن بن علي رضي الله عنهما فله تعليل آخر
قال النسائي في سننه 1927 – أخبرنا إبراهيم بن هارون البلخي قال حدثنا
حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه إن الحسن بن علي كان جالسا فمر عليه بجنازة فقام الناس
حتى جاوزت الجنازة فقال الحسن ” إنما مر بجنازة يهودي وكان رسول الله صلى الله
عليه و سلم على طريقها جالسا فكره إن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام .
يبدو أن الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة لم يكن يؤمن بتكريم الذات الإنسانية
!
ويرى بعض أهل العلم أن القيام للجنازة منسوخ لما روى الإمام مسلم
2186- [82-962] وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ (ح) وحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ
، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
، أَنَّهُ قَالَ : رَآنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَنَحْنُ فِي جَِنَازَةٍ قَائِمًا
، وَقَدْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجَنَازَةُ ، فَقَالَ لِي : مَا يُقِيمُكَ
؟ فَقُلْتُ : أَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجَنَازَةُ ، لِمَا يُحَدِّثُ أَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيُّ فَقَالَ نَافِعٌ : فَإِنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ ، حَدَّثَنِي عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَعَدَ.
الوقفة السابعة :
قال الدكتور في أربعينه
:” (21) حق الاعتراض:
ما حصل في صلح الحديبية من قبول النبي صلى الله وعليه وسلم لشروط الصلح
واعتراض عمر رضى الله عنه ومراجعته لرسول الله، ولأبي بكر وقوله (ألسنا المسلمين، أليسوا
المشركين، ألسنا على الحق، علامَ نعطي الدنيةَ فَي ديننا)؟!
أخرجه البخاري في صحيحه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويستفاد من هذا الفصل، جواز البحث في العلم،
حتى يظهر العلم. وفيه فضل الاستشارة، لاستخراج وجه الرأي واستطابة قلوب الأتباع
“
أقول : إنما كان عمر مستفسراً كما يدل عليه كلام ابن حجر ولم يكن معترضاً
، والاعتراض على النصوص لا يجوز بل هو كفر
وعمر مع كونه مستفسراً وليس معترضاً ندم على ما حصل منه وكفر عن فعله وذلك
في كلمته المشهورة ( فعملت لذلك أعمالاً ) ولكنها في صحيح البخاري من رواية الزهري
عن عمر وهذا منقطع إلا أن يكون موصولاً بالسند الأصل
ولو كان حق الاعتراض مكفولاً لما كان على ذي الخويصرة لما قال ( اعدل
) لوم ، ولما استأذن بعض الصحابة في قتله ، فالنبي لا يعترض عليه وإنما الاعتراض على من دونه بدليل وبينة فحسب
الوقفة الثامنة :
قال الدكتور:” (27) حق الحرية
:
قوله صلى الله وعليه وسلم عن أبي هريرة، قال الله تعالى : (ثلاثة أنا خصمهم
يوم القيامة : رجل أَعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً ثم أكل عنه، ورجل استأجر أجيراً
فاستوفى منه، ولم يعطه أجره). أخرجه البخاري.
قال الحافظ في الفتح : (قال المهلب: وإنما كان إثمة شديداً، لأن المسلمين
أكفاء في الحرية، فمن باع حراً فقد منعه التصرف فيما أباح الله له، وألزمه الذل الذي
أنقذه الله منه)
ويؤيد ذلك مقولة أمير المؤمنين
عمر رضي الله عنه – التي باتت مرجعية لمواثيق الأرض (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم
أمهاتهم أحراراً)؟!
فالإنسان يولد حراً، له حرية التصرف والانطلاق، بشرط عدم الإضرار بالآخرين،
وفي حديث أهل مكة الذي يحسنه بعضهم بالشواهد وهو عند البيهقي في دلائل النبوة (اذهبوا
فأنتم الطلقاء).”
أقول : هذه زندقة فإن إلغاء حكم الرق الثابت في عشرات الأحاديث الصحيحة
، بل هو ثابت في القرآن في قوله تعالى ( الحر بالحر والعبد بالعبد ) ، فهذه زندقة مكشوفة
وهذا الحديث غاية ما فيه عدم جواز
بيع الحر ويدل بمفهومه على جواز بيع العبد
وقد جاءت السنة صريحة في جواز بيع العبد
قال أحمد في مسنده 4552 – حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
” مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ
الْمُبْتَاعُ ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا ، فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا
أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ” وقد رواه مسلم
وأثر عمر ( متى استعبدتهم الناس ) أراد به قوماً معينين ، وعمل عمر بأحكام الرقيق لا
يخفى على أحد ، وقوله ( وقد ودلتهم أمهاتهم أحراراً ) يدل بمفهومه على أن هناك من تلده
أمه عبداً كابن الأمة
ولله عز وجل الحكمة البالغة في هذه الأحكام وقد شرحنا حكم هذا الأمر في غير هذا المقام ، وليس بالانهزامية والاجتزاء
ندافع عن الإسلام ، ولا نرجو من ( العقول المستعمرة ) نصراً للإسلام بل غاية ما تصنعه
تشويه الدين وتحريفه
ولا أجدني قادراً على الإكمال وفيما ذكرت كفاية لمن أنصف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم