فمن المشهور بين طلبة العلم أن تعريف
الصلاة لغة الدعاء لقوله تعالى : ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم )
وقد كنت وقفت على كلام للإمام ابن القيم
يعترض فيه بقوة على هذا التعريف أنقله للإخوة من باب الفائدة
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (1/45)
:” وقولهم الصلاة من العباد بمعنى الدعاء مشكل من وجوه
أحدها أن الدعاء يكون بالخير والشر
والصلاة لا تكون إلا في الخير
الثاني إن دعوت تعدى باللام وصليت لا تعدى
إلا ب على ودعا المعدى ب على ليس بمعنى صلى وهذا يدل على أن الصلاة ليست بمعنى
الدعاء
الثالث أن فعل الدعاء يقتضي مدعوا ومدعوا
له تقول دعوت الله لك بخير وفعل الصلاة لا يقتضي ذلك لا تقول صليت الله عليك ولا
لك فدل على أنه ليس بمعناه فأي تباين أظهر من هذا ولكن التقليد يعمي عن إدراك
الحقائق فإياك والإخلاد إلى أرضه اشتقاق الصلاة
رأيت لأبي القاسم السهيلي كلاما حسنا في
اشتقاق الصلاة وهذا لفظه قال معنى الصلاة اللفظة حيث تصرفت ترجع إلى الحنو والعطف
إلا أن الحنو والعطف يكون محسوسا ومعقولا فيضاف إلى الله تعالى منه ما يليق بجلاله
وينفى عنه ما يتقدس عنه كما أن العلو محسوس ومعقول فالمحسوس منه صفات الأجسام
والمعقول منه صفة ذي الجلال والإكرام
وهذا المعنى كثير موجود في الصفات والكبير
يكون صفة للمحسوسات وصفة للمعقولات وهو من أسماء الرب تعالى وقد تقدس عن مشابهة
الأجسام ومضاهاة الأنام فالمضاف إليه من هذه المعاني معقولة غير محسوسة وإذا ثبت
هذا فالصلاة كما تسمى عطفا وحنوا تقول اللهم اعطف علينا أي ارحمنا قال الشاعر
وما زلت في ليني له وتعطفي … عليه كما
تحنو على الولد الأم
ورحمة العباد رقة في القلب إذا وجدها
الراحم من نفسه انعطف على المرحوم وانثنى عليه ورحمة الله للعباد جود وفضل فإذا
صلى عليه فقد أفضل عليه وأنعم وهذه الأفعال إذا كانت من الله أو من العبد فهي
متعدية ب على مخصوصة بالخير لا تخرج عنه إلى غيره فقد رجعت كلها إلى معنى واحد إلا
أنها في معنى الدعاء
والرحمة صلاة معقولة أي انحناء معقول غير
محسوس ثمرته من العبد الدعاء لأنه لا يقدر على أكثر منه وثمرته من الله الإحسان
والإنعام فلم تختلف الصلاة في معناها إنما اختلفت ثمرتها الصادرة عنها”
فهنا ابن القيم يذهب إلى أن الصلاة لغة من
الحنو والرأفة والصلة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم