نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بين الأشاعرة والصوفية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن من المشهور ذلك التزاوج الحاصل بين
الأشعرية والصوفية منذ قرون فكثيراً ما تجد من اجتمع فيه الأمران

ولكن السؤال هنا

هل طغى أحدهما على الآخر أو غير فيه ؟

الجواب : أنني وجدت مسألة قد تدل على شيء
من هذا وهي مسألة ( العرض هل يدوم زمانين ؟)

أولاً :ما هو العرض ؟

الجواب : عرفه الجرجاني في التعريفات
بقوله :” الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع “

قلت : فصفات المرء_ على هذا التعريف _ أعراض
فسمعه وبصره أعراض لأنها تحتاج في وجودها إلى موضع

وبهذا الإلزام ألزم المعتزلة الأشاعرة لما
أثبتوا السمع والبصر والعلم وقالوا لهم هذه أعراض والأعراض لا تقوم إلا بجسم _ الذي
هو المحل _ فأنتم مجسمة !!

فهرب الأشاعرة من هذا الإلزام فقالوا :”
هي ليست أعراض فالعرض لا يدوم زمانين وصفات الله عز وجل باقية “

والقول بأن العرض لا يدوم زمانين نسبه إلى
الأشعري

الشهرستاني في الملل والنحل(1/96) :”
وتكليف ما لا يطاق جائز على مذهبه _ يعني الأشعري _ ؛للعلة التي ذكرناها، ولأن
الاستطاعة عنده عرض، والعرض لا يبقى زمانين “

ولم يخرج الأشاعرة من الإلزامات المحرجة
بهذه الفلسفة الفارغة فقد التزم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس نبياً الآن
لأن النبوة عرض والعرض لا يدوم زمانين _ فحياة النبي صلى الله عليه وسلم وموته
زمان وإن لم يزل بعد موته فمتى يزول ؟_

وكان هذا القول سبب قتل ابن فورك

قال الذهبي في ترجمته من سير أعلام
النبلاء (17/216) :” وَنَقَلَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ:أَنَّ
السُّلْطَانَ مَحْمُوْداً سأَله عَنْ رَسُوْلِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-فَقَالَ:كَانَ رَسُوْلُ اللهِ، وَأَمَّا اليَوْم فَلاَ.

فَأَمر بِقَتْلِهِ بِالسُّمّ”

ووجه التنافر بين هذا القول وما عليه
الصوفية اليوم أن كثيراً منهم يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم بقولهم :” يا
رسول الله ” و ” يا نبي الله “

وحتى الولاية عرض يزول عن الولي !!

وقد نكت الحنابلة على الأشاعرة بسبب هذا
القول المنقول عن _بعضهم _ واللازم للبعض الآخر

قال الذهبي في ترجمة ابن الجوزي من سير
أعلام النبلاء (21/376 ) :” وقال يوما: أهل الكلام يقولون: ما في السماء رب،
ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم”

وابن الجوزي هنا يعني الأشاعرة فهذه
مقالاتهم

قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة :”
قال: وسمعت أحمد بن أميرجه القلانسي خادم الأنصاري يقول: حفرت مع الشيخ للسلام على
الوزير أبي علي الطوسي، وكان أصحابه كلفوه بالخروج إله، وذلك بعد المحنة، ورجوعه
من بلخ، فلما دخل عليه أكرمه وبَجَّلَه، وكان في العسكر أئمة من الفريقين في ذلك
اليوم، وقد علموا أنه يحضر، فاتفقوا جميعًا على أن يسألوه عن مسألة بين يدي الوزير:
فإن أجاب بما يجيب به بهراة سقط من عين الوزير وإن لم يجب سقط من عيون أصحابه وأهل
مذهبه. فلما دخل واستقر به المجلس انتدب له رجل من أصحاب الشافعي، يعرف بالعلوي
الدبوسي، فقال: يأذن الشيخ الإمام في أن أسأل مسألة? فقال: سل، فقال: لمَ تَلعَنُ
أبا الحسن الأشعري? فسكت، وأطرق الوزير لِمَا عَلِمَ من جوابه. فلما كان بعد ساعة،
قال له الوزير: أجبه، فقال: لا أعرف الأشعري. وإنما ألعنُ من لم يعتقد أن اللّه عز
وجل في السماء، وأن القرآن في المصحف، وأن النبي اليوم نبي. ثم قام وانصرف، فلم
يمكن أحد أن يتكلم بكلمة من هيبته وصلابته وصولته. فقال الوزير للسائل ومن معه: هذا
أردتم? كنا نسمع أنه يذكر هذا بهراة فاجتهدتم حتى سمعناه بآذاننا: ما عسى أن أفعل
به. ثم بعث خلفه خلعًا وصله فلم يقبلها. وخرج من فوره إلى هراة ولم يلبث”

قلت : هذه العقائد التي نسبها الهروي
للأشعري نقول إنصافاً أن متقدمي الأشاعرة كانوا يثبتون العلو والصفات الذاتية

قال الذهبي في كتاب العرش :” وقال
أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني الذي ليس في متكلمي الأشاعرة أفضل منه، لا قبله
ولا بعده في كتاب

“الإبانة” -تأليفه-: “فإن
قيل فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟

قيل له: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}،
وقوله {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، فأثبت لنفسه وجهاً
ويداً.

فإن قيل: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده
جارحة، إذا كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة؟

قلنا: لا يجب هذا، كما لا يجب [إذا لم
نعقل] حياً، عالماً، قادراً إلا جسماً، أن نقضي نحن وأنتم على الله سبحانه وتعالى؛
وكما لا يجب في كل شيء كان قائماً بذاته، أن يكون جوهراً، لأنا وإياكم لم نجده
قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك. وكذلك الجواب لهم إن قالوا فيجب أن يكون علمه
وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفات ذاته عرضاً ، واعتلوا بالوجود.

فإن قيل: هل تقولون إنه في كل مكان؟

قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه،
كما أخبر في كتابه فقال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ، وقال: {إِلَيْهِ
يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، وقال: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}، ولو كان
في كل مكان، لكان في بطن الإنسان، وفمه، والحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادة الأماكن،
إذا خلق منها ما لم يكن، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا ، وإلى
يميننا، وشمالنا وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله”

وقال الذهبي في ترجمة أبي ذر الهروي (17 /558_559)
(( وقد ألف كتاباً سماه: الإبانة، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجهاً
ويداً ؟ قال: قوله: “وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ” الرحمن وقوله: “ما
مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ” فأثبت تعالى لنفسه وجهاً
ويداً. إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله ! بل هو
مستو على عرشه كما أخبر في كتابه. إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم تزل ولا يزال
موصوفاً بها: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه
واليدان والعينان والغضب والرضى. فهذا نص كلامه. وقال نحوه في كتاب التمهيد له،
وفي كتاب الذب عن الأشعري وقال: قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر
كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير.

قلت: فهذا المنهج هو طريقة السلف، وهو
الذي أوضحه أبو الحسن وأصحابه، وهو التسليم لنصوص الكتاب والسنة، وبه قال ابن
الباقلاني، وابن فورك، والكبار إلى زمن أبي المعالي، ثم زمن الشيخ أبي حامد، فوقع
اختلاف وألوان، نسأل الله العفو ))

قلت : هذا النص من الذهبي في التفريق بين
متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم القائلين بأن الله :” لا داخل العالم ولا خارجة “
، مع ملاحظة أن السلوب المذكورة ليست من منهج السلف بل هي من طريقة الكلابية

وقد قال يزيد بن هارون يقول: “من زعم
أن الرحمن على العرش على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي” رواه عبد الله
بن أحمد في السنة

وأما اليوم فقد أصبح الجهمي سنياً !! ،
وأي سنة هذه التي تصدر ممن يعتمد علم الكلام في العقيدة ويذر الكتاب والسنة ولا
يقبل أخبار الآحاد في العقيدة !!

وأما قوله :” ما في المصحف قرآن “
، فهذا هو عقد الأشاعرة فإنهم يقولون بأن القرآن الموجود بين أيدينا هو عبارة عن
كلام الله عبر بذلك جبريل ، وجبريل مخلوق فتعبيره مخلوق

وإذا قالوا :” القرآن غير مخلوق “
فإنهم يعنون الكلام النفسي القديم الذي لا يجوز فيه التقديم ولا التأخير وليس بحرف
ولا صوت وهو معنى واحد الخبر والإستخبار والأمر والنهي _ وقد صرح بهذه الهرطقة
النوري في عقيدته _

وقال الباجوري في شرح جوهرة التوحيد :”
ومذهب أهل السنة أن القرآن الكريم – بمعنى الكلام النفسي – ليس بمخلوق وأما القرآن
– بمعنى اللفظ الذي نقرؤه – فهو مخلوق. لكنه يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق، ويراد
به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم”

قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى (6/598)
:” وقال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي
سماه الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفضول وذكر إثنا عشر
إماما وهم : الشافعي ومالك والثوري وأحمد والبخاري وابن عيينة وابن المبارك
والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وأبو ذرعة وأبو حاتم قال فيه : سمعت
الإمام أبي منصور محمد بن أحمد يقول : سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد يقول :
سمعت الشيخ أبي حامد الإسفرائيني يقول : مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن
كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر والقرآن حمله جبريل عليه السلام
مسموعا من الله تعالى والنبي صلى الله عليه و سلم سمعه من جبريل والصحابة سمعوه من
رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو الذي نقوله نحن بألسنتنا وفيما بين الدفتين وما
في صدورنا مسموعا ومكتوبا ومحفوظا ومنقوشا وكل حرف منه كالباء والتاء كله كلام
الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين

قال الشيخ أبو الحسن : وكان الشيخ أبو
حامد شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام قال أبو الحسن : ولم يزل الأئمة
الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرأون مما بنى الأشعري مذهبه
عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة
منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي يقولون : سمعنا جماعة من المشايخ
الثقات قالوا : كان الشيخ أبو حامد أحمد بن طاهر الإسفرائيني إمام الأئمة الذي طبق
الأرض علما وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من قطيعة الكرخ إلى جامع المنصور ويدخل
الرباط المعروف بالروزي المحاذي للجامع ويقبل على من حضر ويقول : اشهدوا علي بأن
القرآن كلام الله غير مخلوق كما قال أحمد بن حنبل لا كما يقول الباقلاني وتكرر ذلك
منه في جمعات فقيل له في ذلك فقال : حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع
الخبر في البلاد أني بريء مما هم عليه يعني الأشعري وبريء من مذهب أبي بكر
الباقلاني فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية فيقرأون عليه
فيفتنون بمذهبه فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم مني
تعلموه وأنا قلته وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته قال الشيخ أبو الحسن : وسمعت
شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول : سمعت شيخنا الإمام أبا بكر
الزاذقاني يقول : كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرائيني وكان ينهي أصحابه عن
الكلام وعن الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفرا من أصحابه يدخلون عليه خفيه لقراءة
الكلام فظن أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها : إن الشيخ أبا حامد قال لي : يا
بني بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني فإياك وإياه فإنه مبتدع يدعو
الناس إلى الضلال وإلا فلا تحضر مجلسي “

قلت : فانظر كيف نسبهم إلى القول بخلق
القرآن الذي هو قول الجهمية ، وإذا كان القول باللفظ والواقفة من أقوال الجهمية _ عند
الإمام أحمد وغيره من أئمة أهل السنة _فما بالك بهؤلاء القائلين بخلق القرآن الذي
بين أيدينا والله المستعان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم