موقف متقدمي الحنابلة والشافعية من قاعدة [ اختلافنا في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا ]

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن رجب في ترجمة ابن عقيل من ذيل طبقات الحنابلة (1/57) :

ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحُّم
على الحلاَّج وغير ذلك.

ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى.
ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها
إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، فاصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر لأنه كان عاتبًا
على ولاة الأمر بسبب إنكار منكر قد سبق ذكره في ترجمته.

فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه وكتب خَطّه: يقول علي بن عقيل بن
محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب مبتدعة الاعتزال وغيره، ومن صحبة أربابه، وتعظيم
أصحابه، والترحم على أسلافهم، والتكثر بأخلاقهم. وما كنت علّقته، ووُجد بخَطّي من مذاهبهم
وضلالتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته. ولا تَحل كتابته، ولا قراءته، ولا اعتقاده.

وإنني علقت مسألة في جملة ذلك. وإن قوماً قالوا: هو أجساد سود.

وقلت , الصحيح:

ما سمعته من الشيخ أبي عليّ، وأنه قال: هو عَدمٌ ولا يسمى جسماً، ولا شيئًا
أصلاً. واعتقدتُ أنا ذلك. وأنا تائب إلى الله تعالى منهم.

واعتقدتُ في الحلاج أنه من أهل الذَين والزُّهد والكرامات. ونصرتُ ذلك
في جزء عملته. وأنا تَائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل بإجماع علماء عصره، وأصابوا
في ذلك، وأخطأ هو.

ومع ذلك فإني أستغفر اللّه تعالى، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة، والمبتدعة،
وغير ذلك، والترحم عليهم، والتعظيم لهم فإن ذلك كله حرام.

ولا يحل لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من عظَّم صاحب بدعة
فقد أعان على هَدْمِ الإسلام .

وقد كان الشريف أبو جعفر، ومن كان مَعه من الشيوخ، والأتباع، سادتي وإخواني
– حرسهم الله تعالى – مصيبين في الإنكار عليَّ لما شاهدوه بخالي من الكتب التي أبرأ
إلى الله تعالى منها، وأتحققُ أني كنتُ مخطئًا غير مصيب.

ومتى حفظ عليَّ ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار: فلإمام المسلمين مكافأتي
على ذلك. وأشهدت الله وملائكته وأولي العلم، على ذلك غير مجبر، ولا مكرَه وباطني وظاهري
– يعلم الله تعالى – في ذلك سواء. قال تعالى: { وَمنْ عَادَ فَيَنتقِمُ اللّهُ مِنْهُ،
وَاللّهُ عَزِيز ذُو انْتِقَام }

وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة.اهــ

أقول : في هذه القصة فائدتان :

الأولى : إنكار علماء الحنابلة على ابن عقيل ترحمه على الحلاج ولم يقولوا
( خلافنا في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا ) .

الثانية : تضمينه في توبته التوبة من الثناء على المعتزلة ولم يقل ( خلافنا
في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا ) ، وأنا مجتهد فلا إجماع على جرحهم ، أو لم أقتنع
.

أقول : والثناء على الديمقراطية ، والدعوة إلى الحوار بين الأديان ، والدعوة
إلى تذويب الخلافات في العقيدة والأحكام كلها بدع كبرى

وقال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (1/ 341) :

قال الشيخ أبو الحسن الكرجي : وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني
يقول : سمعت شيخنا الإمام أبا بكر الزاذقاني يقول :

كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرايني وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن
الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفرا من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام فظن
أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها : إن الشيخ أبا حامد قال لي :

يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل – يعني الباقلاني – فإياك وإياه
فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلالة وإلا فلا تحضر مجلسي فقلت : أنا عائذ بالله مما
قيل وتائب إليه وأشهدوا على أني لا أدخل إليه .اهــ

أقول : أبو حامد الاسفراييني من كبار متقدمي الشافعية وله مكانة كبيرة

قال شيخ الإسلام في درء التعارض (1/344) :

وهذا الذي تقدم ذكره – من إنكار أئمة العراقيين من أصحاب الشافعي قول ابن
كلاب ومتبعيه في القرآن – هو معروف في كتبهم ومعلوم أنه ليس بعد الشافعي و ابن سريج
مثل الشيخ أبي حامد الإسفرايني حتى ذكر أبو إسحاق في طبقات الفقهاء عن أبي الحسين القدوري
: أنه كان يقول في الشيخ أبي حامد : إنه أنظر من الشافعي وهذا الكلام – وإن لم يكن
مطابقا لمعناه لجلالة قدر الشافعي وعلو مرتبته – فلولا براعة أبي حامد ما قال فيه الشيخ
أبو الحسين القدوري مثل هذا القول.اهــ

أقول : فهذا الرجل امتحن بالباقلاني ، وتأمل كيف أنه أنكر على من جالسه
مجرد مجالسة ، فكيف بمن أثنى عليه ، أو حسن مذهبه .

ولم يقبل من مجالسي الباقلاني عذراً من جنس الأعذار الفاسدة التي يتعذر
بها الناس مثل قولهم : ( آخذ الخير وأترك الشر ) !

وهذا نقضٌ مبرم لقاعدة ( خلافنا في غيرنا لا يكون خلافاً بيننا )

وقال شيخ الإسلام في درء التعارض (1/343) :

قال الشيخ أبو الحسن : وسمعت الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن على العجلي
يقول : سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد – أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم
– قالوا : كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى الحمام متبرقعاً خوفاً من الشيخ أبي حامد
الإسفرايني .اهــ

أما اليوم فقد حدثت البراقع الالكترونية وهي ما يسمى بــــ( الأسماء المستعارة
) ، فتجده يتبرقع تحت اسم مستعار ثم يرسل خبثه هنا وهناك

 تارةً باسم ( المشرفين على موقع
كذا ) وأخرى باسم ( أبو الفلان الفلاني ) .

ألقاب ملكٍ في غير مملكةٍ *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

واعلم – رحمك الله – أن هذه التصرفات من أولئك الأئمة ليست ناشئةً عن هوى
، وإنما عن نظرٍ ثاقب في الأدلة ومعرفة تامة بمنهج السلف الصالح في التعامل مع أهل
الأهواء .

فلو لم تكن مجالسة أهل الباطل على وجه السكوت الذي يفهم منه الإقرار له
مفاسده العظيمة ، لما قال الله عز وجل لنبيه في مسجد أهل النفاق :{ لا تقم فيه أبداً
}

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (32/ 254) :

والمعاشر إذا ادعى سلامته من ذلك لم يقبل فإنه إما أن يفعل معهم المحرمات
ويترك الواجبات وإما أن يقرهم على المنكرات فلا يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر وعلى
كل حال فهو مستحق للعقوبة .

وقد رفع إلى عمر بن عبد العزيز أقوام يشربون الخمر فأمر بجلدهم الحد فقيل
إن فيهم صائما فقال إبدوا بالصائم فاجلدوه ألم يسمع إلى قوله تعالى وقد نزل عليكم في
الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في
حديث غيره وقوله تعالى وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.اهـــ

أقول : وهذا في معاشرة أصحاب الخمر المجمع على تحريمه فلا يلتبس أمره ،
فما بالك بالبدع التي يلتبس أمرها ، ولا يكتفي بعضهم بالمعاشرة حتى يتعدى الأمر إلى
الثناء والدفاع ، ونصب الحرب لأهل السنة ورميهم بالغلو في التجريح وغيره .

ثم إن حقيقة مذهب القوم ( خلافنا في القرضاوي لا يكون خلافاً بيننا ) لأن
محمد ابن حسان يثني على القرضاوي و الشعراوي ، ومع ذلك هو سلفي عند القوم ، فلا يغرنك
تلك القيود التي وضعوها لقاعدتهم ، فإنها فضفاضة محلقة .

وحقيقة مذهبهم أيضاً ( خلافنا في جماعتي الإخوان والتبليغ لا يكون خلافاً
بيننا ) فمحمد ابن حسان والزغبي يثنيان على هاتين الجماعتين فقال حسان في شريطه الطريق
إلى الله :

لا فرق بين أخ تبليغي وأخ سلفي وأخ إخواني وأخيه من جماعة أنصار السنة
.اهــ

ومع ذلك لا يحرك القوم ساكناً ، مع شنهم حرباً ضروساً على السلفيين بكلهم
وكلكلهم.

وحقيقة مذهبهم ( خلافنا في عبد الرحمن بن عبد الخالق لا يكون خلافاً بيننا
) فالمغراوي أثنى عليه ، وكذلك رؤوس جمعية إحياء التراث ، ولم يحرك القوم ساكناً .

( كما في كتابه المصادر العلمية في الدفاع عن العقيدة السلفية)

أم أن جميع هؤلاء لم تقم ( الحجة العلمية المقنعة على تبديعهم )؟

ولم نجد موضوعاً مثبتاً واحداً في نصح هؤلاء

ونقول تفريعاً على قاعدتهم ( خلافنا في الحلبي لا يكون خلافاً بيننا )
، فلو كتب ألف جزءٍ في دفع التشنيع ، لن يستطيع إخراج مسألة تبديعه عن حيز مسائل الجرح
والتعديل الاجتهادية .

فلا تثريب على من بدعه وصنفه في ( دعاة البدع ) ثم فرع على ذلك عدم جواز
أخذ العلم عنه ولا مناكحته ولا الصلاة خلفه ، وحبذ ترك الصلاة عليه .

 وإذا كان على مذهب أبي إسماعيل
الأنصاري صاحب ذم الكلام الذي عقد فصلاً في جواز لعن أهل البدع ، فإنه يجوز لعن الحلبي
!

ولا يجوز للحلبي أو أشياعه الإنكار على من فعل هذا فــــ ( خلافنا في الحلبي
لا يكون خلافاً بيننا ) و ( مسائل الجرح والتعديل اجتهادية لا تثريب فيها على المخالف
) !

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم