قال ابن أبي حاتم في تفسيره 8754 : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، قراءة
، أنبأ وهب ، قال : سمعت مالكا ، يقول : كان شعيب عليه السلام خطيب الأنبياء
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 11999 : حدثنا أبي ، ثنا الفضل بن دكين ،
ثنا سفيان : ( وإنا لنراك فينا ضعيفا ) قال : كان ضعيفا وكان يقال : خطيب الأنبياء
.
وهذان إسنادان صحيحان إلى إمامي الهدى سفيان ومالك
وهو قول أصحاب ابن مسعود
قال سفيان في تفسيره كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يقرءونها (أصلاتك تأمرك لا قَالُوا أَقِرَاءَتُكَ قَالَ وَكَانُوا يَقُولُونَ شعيب خطيب الأنبياء (الآية 87) .
قال الله تعالى : ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ
وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا
تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
(85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ
بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ
آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ
الرَّشِيدُ
قال الشيخ السعدي في تفسيره :” وشعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الأنبياء،
لحسن مراجعته لقومه، وفي قصته من الفوائد والعبر، شيء كثير.
منها: أن الكفار، كما يعاقبون، ويخاطبون، بأصل الإسلام، فكذلك بشرائعه
وفروعه، لأن شعيبا دعا قومه إلى التوحيد، وإلى إيفاء المكيال والميزان، وجعل الوعيد،
مرتبا على مجموع ذلك.
ومنها: أن نقص المكاييل والموازين، من كبائر الذنوب، وتخشى العقوبة العاجلة،
على من تعاطى ذلك، وأن ذلك من سرقة أموال الناس، وإذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين،
موجبة للوعيد، فسرقتهم – على وجه القهر والغلبة – من باب أولى وأحرى.
ومنها: أن الجزاء من جنس العمل، فمن بخس أموال الناس، يريد زيادة ماله،
عوقب بنقيض ذلك، وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق لقوله: {إِنِّي أَرَاكُمْ
بِخَيْرٍ} أي: فلا تسببوا إلى زواله بفعلكم.
ومنها: أن على العبد أن يقنع بما آتاه الله، ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب
المباحة عن المكاسب المحرمة، وأن ذلك خير له لقوله: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ}
ففي ذلك، من البركة، وزيادة الرزق ما ليس في التكالب على الأسباب المحرمة من المحق،
وضد البركة.
ومنها: أن ذلك، من لوازم الإيمان وآثاره، فإنه رتب العمل به، على وجود
الإيمان، فدل على أنه إذا لم يوجد العمل، فالإيمان ناقص أو معدوم.
ومنها: أن الصلاة، لم تزل مشروعة للأنبياء المتقدمين، وأنها من أفضل الأعمال،
حتى إنه متقرر عند الكفار فضلها، وتقديمها على سائر الأعمال، وأنها تنهى عن الفحشاء
والمنكر، وهي ميزان للإيمان وشرائعه، فبإقامتها تكمل أحوال العبد، وبعدم إقامتها، تختل
أحواله الدينية”
إلى آخر ما ذكره من الفوائد
وفي مراجعته لقومه التنبيه على ركني اليقظة
مشاهدة نعمة الله عز وجل
ومشاهدة التقصير في حق الله عز وجل أما الأول ففي قوله (إِنِّي أَرَاكُمْ
بِخَيْرٍ) ففي هذا التذكير بأمر النعمة
وأما الثانية ففي قوله : ( وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
مُحِيطٍ) وهذا العذاب إنما يأتي من التقصير
وهذان الركنان جاءا في دعاء سيد الاستغفار ( أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي
) وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يقولوه في كل صباح ومساء ، لئلا تموت القلوب
إذا غفلت عن ذلك
وفي محاجته لقومه التنبيه على أحسن مسالك الوعظ فإنك إذا رأيت رجلاً على
منكر
فلا أحسن من أن ترهبه من زوال النعمة عنه بسبب هذا الذنب وهذا في قول شعيب
: ( إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ)
وترغيبه في حسن العاقبة وتذكيره أن ما عند الله خيرٌ وأبقى وذلك في قول
شعيب : ( بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
ثم إن الترهيب يكون بضرب المثل فيمن هلك على هذه المعصية ، وكان المقام
على المنكر سبباً لسوء الخاتمة وذلك في قول شعيب : ( وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ
شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ
قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ)
وفيه من الشفقه الدلالة على كيفية التوبة والنزوع من الباطل وذلك في قوله
: ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)
وتأمل وعظه بأسماء الله وصفاته فخوفهم من آثار غضب الله عز وجل على الأمم
السابقة ولما رغبهم قال : ( إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)
يعني إذا تبتم واستغفرتم وهذا أحسن ما يكون في ترغيب المذنب المسرف على
نفسه بالتوبة
وفيه تنبيه الواعظ أن الهداية ليست بيده وإنما بيد هي الله وذلك في قول
شعيب : ( وما أنا عليكم بحفيظ )
وما أحسن قول خطيب الأنبياء لما سأله قومه أن يعود في ملتهم : ( قَدِ افْتَرَيْنَا
عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ
مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا
وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ )
ففي كل الكلام يرجع الفضل لله عز وجل فيقول ( نجانا الله ) ولما قال :
( وما يكون لنا أن نعود فيها ) قال ( إلا أن يشاء الله ربنا ) فأرجع الفضل لله عز وجل
في ابتداء الهداية وفي الثبات عليها
وفي محاججته لقومه فوائد كثيرة لا يحيط بها مثلي ، وإنما أردت التنبيه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم