قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :
” ولا يقدر أحد ان ينقل عن أحد من سلف الامة وأئمتها في القرون الثلاثة
حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية أن الله ليس في السماء والله
ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه
سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات
التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على أنه
نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية
والخوارج والروافض ونحوهم
وإذا كان كذلك فليعلم ان الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه
فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون
لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية
والأشعرية الذين هم الأشعري وأئمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة
والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في
المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل الحديث “
كلام شيخ الإسلام فيه عدة فوائد
الأولى : أن الأشاعرة نفاة العلو جهمية يتناولهم كلام السلف في الجهمية
، وفي هذا رد على من زعم أنهم من أهل السنة وهم تتناولهم نصوص تكفير السلف للجهمية
قال عبد الله بن أحمد في السنة 50 – حدثني عباس العنبري ، حدثنا شاذ بن
يحيى ، سمعت يزيد بن هارون ، وقيل ، له : من الجهمية ؟ فقال : « من زعم أن الرحمن على
العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي »
قال البخاري في خلق أفعال العباد (2/ 37) :” 63- وَحَذَّرَ يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْجَهْمِيَّةِ فَقَالَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوَى عَلَى خِلاَفِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ
، وَمُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ جَهْمِيٌّ “
وقال عبد الله بن أحمد في السنة 61 – حدثني زياد بن أيوب دلويه ، سمعت
يحيى بن إسماعيل الواسطي ، قال : سمعت عباد بن العوام ، يقول : « كلمت بشر المريسي
وأصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء »
وقال عبد الله بن أحمد في السنة 115 – حدثني عبد الله بن شبويه ، حدثنا
محمد بن عثمان ، قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي : وسأله ، سهل بن أبي خدويه عن القرآن
، فقال : « يا أبا يحيى ما لك ولهذه المسائل هذه مسائل أصحاب جهم ، إنه ليس في أصحاب
الأهواء شر من أصحاب جهم يدورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء ، أرى والله ألا يناكحوا
ولا يوارثوا »
وقد قال شيخ الإسلام قبل كلامه السابق :” وسئل عبد الله بن ادريس
عن الصلاة خلف اهل البدع فقال لم يزل في الناس اذا كان فيهم مرضي او عدل فصل خلفه قلت
فالجهمية قال لا هذه من المقاتل هؤلاء لا يصلى خلفهم ولا يناكحون وعليهم التوبة قال
وقال وكيع بن الجراح الرافضة شر من القدرية والحرورية شر منهما والجهمية شر هذه الاصناف
قال البخاري وقال زهير السجستاني سمعت سلام بن ابي مطيع يقول الجهمية كفار
وكلام السلف والائمة في هذا الباب اعظم واكثر من ان يذكر هنا الا بعضه
كلهم مطبقون على الذم والرد على من نفى ان يكون الله فوق العرش كلهم متفقون على وصفه
بذلك وعلى ذم الجهمية الذين ينكرون ذلك”
وهذا كله ينزله شيخ الإسلام على الرازي الأشعري الذي وصفه ب( الجاحد )
، ثم يأتي من يقول أنه لم يبدع الرازي
ولهذا كله كان شيخ الإسلام يسمى الرازي وهو من أئمة الأشاعرة الجهمي الجبري
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (16/ 213) : “هَذَا مَوْجُودٌ
فِي كَلَامِ مُتَقَدِّمِي الْجَهْمِيَّة وَمُتَأَخَّرِيهِمْ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِي الجهمي الْجَبْرِيُّ وَإِنْ كَانَ
قَدْ يَخْرُجُ إلَى حَقِيقَةِ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَوْثَانِ فِي
بَعْضِ الْأَوْقَاتِ”
وكان شيخ الإسلام يسميهم الجهمية الإناث
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول :” وهذا موضع لا بد من تحريره
ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة
وهفوة عظيمة ويرحم الله القاضي أبا يعلي قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا وإنما
وقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية
الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب
وإن لم يقترن به قول اللسان ولم يقتض عملا في القلب ولا في الجوارح”
وصرح شيخ الإسلام بأن الأشاعرة كلهم جهمية
حيث قال في الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز ص6 :” ثم أقرب هؤلاء
الجهمية الأشعرية يقولون : إن له صفات سبعًا : الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة،
والكلام، والسمع، والبصر . وينفون ما عداها،وفيهم من يضم إلى ذلك اليد فقط، ومنهم من
يتوقف في نفي ما سواها، وغلاتهم يقطعون بنفي ما سواها “
والدولة كانت لهم ومع ذلك كان هذا الشجاع البر التقي ينكل بهم بما ترى
وقد صرح شيخ الإسلام بأنهم وافقوا المعتزلة في الرؤية ، وأن إثباتهم محض
نفاق ولا حقيقة له
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/ 369) :” ولهذا تجد هؤلاء
الذين يثبتون الرؤية دون العلو عند تحقيق الأمر منافقين لأهل السنة والإثبات يفسرون
الرؤية التي يثبتونها بنحو ما يفسرها به المعتزلة وغيرهم من الجهمية فهم ينصبون الخلاف
فيها مع المعتزلة ونحوهم ويتظاهرون بالرد عليهم وموافقة أهل السنة والجماعة في اثبات
الرؤية وعند التحقيق فهم موافقون المعتزلة انما يثبتون من ذلك نحو ما اثبته المعتزلة
من الزيادة في العلم ونحو ذلك مما يقوله المعتزلة في الرؤية او يقول قريبا منه ولهذا
يعترف هذا الرازي بأن النزاع بينهم وبين المعتزلة في الرؤية قريب من اللفظي “
الثانية : أن السلف ذموا هؤلاء الجهمية أكثر مما ذموا به الرافضة والقدرية
والخوارج ، وليعلم أن الرافضة في زمن السلف كانوا كل من سب الصحابة وإن لم يصل ذلك
إلى التكفير أو الطعن في أمهات المؤمنين والرافضة اليوم جمعوا بين التجهم والقدر والزندقة
المحضة
وسبب ذمهم أكثر من القدرية والرافضة الأوائل والخوارج لأنهم الخصومة معهم
في الله عز وجل
وقال ابن رجب في فضل علم السلف على علم الخلف ص3 :” ومن ذلك أعني
محدثات الأمور ما أحدثه المعتزلة ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله تعالى وصفاته
بأدلة العقول وهو أشد خطراً من الكلام في القدر لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله
وهذا كلام في ذاته وصفاته”
بل إن الجهمية المتأخرين ( الأشاعرة ) أشر من الخوارج في باب التكفير لأن
الخوارج في كثير من أحوالهم يكفرون بالمعاصي وأما هؤلاء فيكفرون بالتوحيد المحض
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/300) :” وهذه الحجة هي
مثل الحجة الرابعة التي ذكرها في تأسيسه لكن فيها حشو وزيادة مستغنى عنها لا حاجة إليها
وهؤلاء القوم من أعظم الناس إتيانا بحشو القول الكثير الذي نقل فائدته أو تعلم مضرته
كما يروى فيهم عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه ذكر قال أنا ضمين
وذمتي رهينة لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على الهدى سبخ أصل وإن أبغض الناس
إلى الله تعالى رجل قمش علما حتى إذا ارتوى من ماء آجن وامتلأ من غير طائل سماه أشباهه
من الناس عالما فإن نزلت به احدى الشبهات هيأ له حشو الرأي من قيله فلا هو سكت عما
لا يعلم فيسلم ولا تكلم بما يعلم فيغنم تصرخ منه الدماء وتبكي منه الفروج الحرام وهو
من أحق الناس بهذا هؤلاء المتكلمون في أصول الدين بغير كتاب الله وسنة رسوله ويوقعون
بين الأمة العداوة والبغضاء بما لا أصل له حتى قد يكفروا من خالفهم ويبيحوا قتلهم وقتالهم
كما يفعل أهل الأهواء من الخوارج والرافضة والجهمية والمعتزلة كما فعله هذا المؤسس
في كتابه هذا وأمثاله حيث كفر الذين خالفوه وهم أحق بالإيمان بالله ورسوله منه بدرجات
لا تحصى ولا حول ولا قوة إلا بالله
ولهذا كان التكفير لمن يخالفهم من أهل السنة والجماعة من شعار المارقين
كما قال النبي صلى الله عليه و سلم فيما استفاض عنه من الأحاديث الصحيحة في صفة الخوارج
يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا
يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية وفي رواية يقتلون أهل الإيمان
ويدعون أهل الأوثان
وهؤلاء الذي يدعون الإيمان لأنفسهم دون أهل السنة والجماعة من المسلمين
كالخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة لهم نصيب من قوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة
إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم
وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وبعضهم مع بعض كما
قال الله تعالى وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء
وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة
فيما كانوا فيه يختلفون فهم كما قال الامام أحمد مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب
مجمعون على مفارقة الكتاب قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه فإنه ذم الذين
خالفوا الأنبياء والذي اختلفوا على الأنبياء فآمن كل منهم ببعض وكفر ببعض قال في الأولين
ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم
من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد وقال في الثاني
ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد وقال تعالى
ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم وقال
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله وقال ولا يزالون
مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم
وهؤلاء الجهمية معروفون بمفارقة السنة والجماعة وتكفير من خالفهم واستحلال
دمه كما نعت النبي صلى الله عليه و سلم الخوارج لكن قولهم في الله أقبح من قول الخوارج
وإن كان للخوارج من المباينة للجماعة والمقاتلة لهم ما ليس لهم مع أن أهل المقالات
ذكروا أن قول الخوارج في الصفات هو قول الجهمية والمعتزلة هذا ذكره الأشعري وغيره من
المعتزلة وهذا والله أعلم يكون قول من تأخر من الخوارج إلى أن حدث التجهم في أول المائة
الثانية وأما الخوارج الذين كانوا في زمن الصحابة وكبار التابعين فأولئك لم يكن قد
ظهر في زمنهم التجهم أصلا ولا عرف في الأمة إذ ذاك من كان ينكر الصفات أو ينكر أن يكون
على العرش أو يقول أن القرآن مخلوق أو ينكر رؤية الله تعالى ونحو ذلك مما ابتدعته الجهمية
من هذه الأمة”
الثالثة : تفريق شيخ الإسلام بين متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم فإن متأخريهم
أعظم تجهماً لنفيهم العلو ، وأما أكثر الأوائل من الكلابية الأشعرية فكانوا يثبتون
العلو كما ذكر شيخ الإسلام نصوصهم في الحموية
قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصبهانية 78 :” وما في هذا الاعتقاد
المشروح هو موافق لقول الواقفة الذين لا يقولون بقول الأشعري وغيره من متكلمة أهل الإثبات
وأهل السنة والحديث والسلف بل يثبتون ما وافقه عليه المعتزلة البصريون فإن المعتزلة
البصريين يثبتون ما في هذا الاعتقاد ولكن الأشعري وسائر متكلمة أهل الإثبات مع أئمة
السنة والجماعة يثبتون الرؤية ويقولون القرآن غير مخلوق ويقولون: “إن الله حي
بحياة عالم بعلم قادر بقدرة” وليس في هذا الاعتقاد شئ من هذا الإثبات”
وهذا الاعتقاد هو من متون متأخري الأشاعرة ، وقد تقدم أن إثباتهم للرؤية
غير حقيقي
والأشاعرة زادوا القبورية في عامتهم على التعطيل والتجهم ، فكيف يجعلون
من أهل السنة وفي إسلامهم كلام
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم