من نفائس ابن رجب : الرد على المعظم إذا أخطأ واجب ولا يعني ذلك انتقاصه

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن رجب الحنبلي في رسالته الحكم الجديرة بالإذاعة المطبوعة ضمن رسائله
(1/ 244_ 247) :

” فأما مخالفة بعض أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ من غير عمد
، مع الاجتهاد على متابعته .

 فهذا يقع كثيراً من أعيان الأمة
من علمائها وصلحائها ، ولا إثم فيه .

 بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر على
اجتهاده ، وخطأه موضوع عنه .

 ومع هذا فلا يمنع ذلك من علم أمر
الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال خالفه هذا أن يبين ، نصيحة لله ولرسوله ولعامة
المسلمين ، ولا يمنع ذلك من عظمة من خالف أمره خطأ .

 وهب ان هذا المخالف عظيم له قدر
وجلالة ، وهو محبوب للمؤمنين إلا أن حق الرسول مقدم على حقه وهو أولى بالمؤمنين من
أنفسهم .

فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ، ويأمرهم
باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم الأمة .

 فإن أمر الرسول صلى الله عليه
وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ

ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة ، وربما
أغلظوا في الرد – لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم ، معظم في نفوسهم – لكن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحب إليهم ، وأمره فوق كل أمر مخلوق .

 فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أولى ان يقدم ويتبع .

 ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف
أمره وإن كان مغفوراً له ، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه .

 بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ظهر أمره بخلافه .

كما أوصى الشافعي : إذا صح الحديث في خلاف قوله ؛ أن يتبع الحديث ويترك
قوله .

 وكان يقول : ” ما ناظرت أحداً
فأحببت أن يخطئ ، وما ناظرت أحداً فباليت أظهر الحق على لسانه أو على لساني “
. لأن تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله لا لظهور نفوسهم والانتصار لها .

وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق ؛ صغيراً
كان أو كبيراً وينقادون لقوله .

وقيل لحاتم الأصم : أنت رجل عيي لا تفصح ، وما ناظرت أحداً إلا قطعته ،
فبأي شيء تغلب خصمك ؟

قال : بثلاث : أفرح إذا أصاب خصمي ، وأحزن إذا أخطأ ، وأحفظ لساني عن أن
أقول له ما يسوءه .

 فذكر ذلك للإمام أحمد فقال : ما
كان أعقله من رجل .

وقد روي عن الإمام أحمد أنه قيل له : أن عبد الوهاب الوارق ينكر كذا وكذا
، فقال : لا نزال بخير ما دام فينا من ينكر .

ومن هذا الباب قول عمر لمن قال له اتق الله يا أمير المؤمنين فقال :
” لا خير فيكم إن لم تقولها لنا ، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم ” .

وردت عليه امرأة قولته فرجع إليها وقال : ” رجل أخطأ وامرأة أصابت
” .

فلا يزال الناس بخير ما كان فيهم الحق وتبيين أوامر الرسول صلى الله عليه
وسلم التي يخطئ من خالفها وإن معذوراً مجتهداً مغفوراً له ، ولهذا مما خص الله به الأمة
لحفظ دينها الذي بعث الله ورسوله صلى الله عليه وسلم – أن لا تجتمع على ضلالة بخلاف
الأمم السالفة .

فههنا أمران ( أحدهما ) : أن من خالف أمر الرسول في شيء خطأ مع اجتهاده
في طاعته ومتابعة أوامره فإنه مغفور له لا ينقص درجته بذلك .

 ( والثاني ) : أنه لا يمنعنا تعظيمه
ومحبته من تبين مخالفة قوله لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونصيحة الأمة بتبيين
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . ونفس ذلك الرجل المحبوب المعظم لو علم ان قوله مخالف
لأمر الرسول فإنه يجب من يبين للأمة ذلك ويرشدهم إلى أمر الرسول ، ويردهم عن قوله في
نفسه ، وهذه النكتة تخفى على كثير من الجهال بسبب غلوهم في التقليد .

وظنهم أن الرد على معظم من عالم وصالح تنقص به ، وليس كذلك ، وبسبب الغفلة
عن ذلك تبدل دين أهل الكتاب فإنهم اتبعوا زلات علمائهم ، وأعرضوا عما جاءت به أنبياءهم
، حتى تبدل دينهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله .

فأحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ، فكانت تلك عبادتهم إياهم
.

 فكان كلما كان فيهم رئيس كبير
معظم مطاع عند الملوك قبل منه كل ما قال ، وتحمل الملوك الناس على قوله . وليس فيهم
من يرد قوله ، ولا يبين مخالفته للدين .

وهذه الأمة عصمها الله عن الاجتماع على ضلالة ، فلا بد أن يكون فيها من
يبين أمر الله ورسوله .

 ولو اجتهدت الملوك على جمع الأمة
خلافه لم يتم لهم أمرهم . كما جرى مع المأمون والمعتصم والواثق ، حيث اجتهدوا على إظهار
القول بخلق القرآن وقتلوا الناس وضربوهم وحبسوهم على ذلك

 وأجابهم العلماء تقية وخوفاً ،
فأقام الله إمام المسلمين في وقتهم أحمد بن حنبل ، فرد باطلهم حتى اضمحل أمرهم .

 وصار الحق هو الظاهر في جميع بلاد
الإسلام والسنة ، ولم يكن الإمام أحمد يحابي أحداً في مخالفة شيء من أمر الرسول وإن
دق ,ولو عظم مخالفة في نفوس الخلق .

 فقد تكلم في بعض أعيان مشايخ العلم
والدين لمسئلة أخطأها ، فحمل أمره حتى لما مات لم يصل عليه إلا نحو أربعة أنفس ، وكان
كلما تكلم في أحد سقط ، لأن كلامه تعظيم لأمر الله ورسوله لا هوى نفسه “

أقول : انتهى كلامه رحمه الله وللفائدة قصة ( أصابت امرأة وأخطأ )ضعفها  محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في مجموع
فتاويه وضعفها غيره

وقولنا ( لا يعني انتقاصه ) إذا كان خطؤه في مسألة اجتهادية وأما القول بأن الرد على الإنسان في المسائل العقدية ( لا يعني انتقاصه ) فهذا قول سوء كقول المرجئة ( لا يضر مع الإيمان ذنب ) وإذا كان خطأ العقيدة لا ينقص من شأن المرء فما الذي ينقص من شأنه ، بل لو أخطأ في واضحات المسائل الفقهية لكان ذلك نقصاً بيناً فيه ولا يلام من أغلظ عليه أو حط حمية على السنة ، وأما من يقول في الواقع في مقالات الجهمية التي كفر بها السلف ( لا تنقص من قدره ) فهذا قول سوء لم يبلغه المرجئة الأوائل 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم