مقياس جاهلي لمعرفة الحق

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائل
الجاهلية :” الاعتماد على الكثرة ، والاحتجاج بالسواد الأعظم ، والاحتجاج على
بطلان الشيء بقلة أهله .

فأنزل الله تعالى ضد ذلك وما يُبْطِله ،
فقال في ” الأنعام ” [ 116 – 117 ] : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي
الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ }{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .

فالكثرة على خلاف الحق لا تستوجب العدول
عن اتباعه لمن كان له بصيرة وقلب ، فالحق أحق بالاتباع وإن قل أنصاره كما قال
تعالى : { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ
كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } [ ص : 24 ] ، فأخبر الله
عن أهل الحق أنهم قليل ، غير أن القلة لا تضرهم :

تُعَيِّرُنَا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا …
فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الْكِرَامَ قَلِيلٌ

فالمقصود أن من له بصيرة ينظر إلى الدليل
، ويأخذ ما يستنتجه البرهان وإن قل العارفون به ، المنقادون له ، ومن أخذ ما عليه
الأكثر ، وما ألِفَتْهُ العامة من غير نظر الدليل فهو مخطئ ، سالك سبيل الجاهلية ،
مقدوح عند أهل البصائر “

وهذا المقياس قد تأثر به كثيرون في زمن
الديمقراطية ، ومواقع التواصل الاجتماعي

ولا ضير أن يفرح المرء بكثرة المنتفعين من
كلامه إذا كان على الخير والصفاء

قال النسائي في سننه 3227 – أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَنْبَأَنَا
الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
قُرَّةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ
حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا فَنَهَاهُ ثُمَّ
أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ فَقَالَ
تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ

ولكن ينبغي للمرء أن يعلم أن الأجر بيد
الله عز وجل يضاعف لمن يشاء

قال الله تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )

فلو شاء الله عز وجل أن يأجرك على واحد
كما يأجر غيرك على ألف لفعل سبحانه ، فما ينبغي للمرء أن يتنازل عن شيء مما يحتاج
الناس إليه من أجل التجميع وتكثير الجماهير

قال البخاري في صحيحه 6498 – حَدَّثَنَا
أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي
سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا
رَاحِلَةً

وهذا الحديث أصل في نقض هذا المقياس
الجاهلي الديمقراطي

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم