قال الإمام أحمد في مسنده: “16779 -حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: بينا نحن مع رسول الله ﷺ بطريق مكة إذ قال: «يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب، هم خيار من في الأرض» فقال رجل من الأنصار: ولا نحن يا رسول الله؟ فسكت. قال: ولا نحن يا رسول الله؟ فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟ فقال في الثالثة كلمة ضعيفة: «إلا أنتم»”.
أقول: هذا الحديث من زوائد المسند على الستة، وقد حسنه جماعة مع إيراد البزار له في مسنده المعلل.
وحين قرأته تذكرت بيتاً يردده الدراويش:
تحيا بكم كل أرض تنزلون بها … كأنكم في بقاع الأرض أمطار
فلماذا شبَّه النبي ﷺ أهل اليمن بالسحاب ويوصف بهذا المهاجرون والأنصار من باب أولى؟
السحاب يأتي بالمطر الذي تحيا به الأرض، فالسحاب يحمل المطر.
والوحي حياة، وشبَّهه رب العالمين بالمطر: {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق} [البقرة].
وفي الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري اليماني: «مَثَل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب الأرض».
فكل حامل علم هو كالسحاب، وقد ورد في الخبر: «الإيمان والحكمة يمانية»، خصوصاً إذا كان يجتهد في إيصال الخير للناس.
والمطر به حياة الأرض، وكانوا يضربون المثل للرجل السخي بالمطر.
وقد كان اليمانيون أهل إيثار وتآخٍ ومواساة:
قال البخاري في صحيحه: “2486 -حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا حماد بن أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال النبي ﷺ: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم»”.
فمن كان سخياً بماله وعلمه كان كالسحاب تحصل به الحياة، وأعظم الحياة حياة القلب بالتوحيد {أومن كان ميتا فأحييناه} [الأنعام].
وفي الصحيح: «من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار، حتى فرجه بفرجه».
هذا فيمن أعتق رقيقاً من عبودية جزئية لا تناقض التوحيد، فكيف بمن أخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد، فنهاهم عن الشرك وعلمهم التوحيد، لا شك أن ثوابه أعظم ورجاءه أكبر، اللهم لا تحرمنا من فضلك الواسع الجم.