قرب النسب والمحاباة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

جاء في المقتبس من أنباء الأندلس في ترجمة القاضي إبراهيم بن العباس المرواني _ من نسل عبد الملك بن مروان _ :” إبراهيم بن العباس بن عيسى بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، يكنى أبا العباس، استقضاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم بمشورة يحيى بن يحيى، فكان محموداً في قضائه، عادلاً في حكومته، متواضعاً في أحواله، غير متصنع، ولا مترفع.
حكى محمد بن عمر بن لبابه قال: كان القاضي أبو العباس المرواني ربما جلس في بيته يقضي بين الناس، وإن جاريته لتنسج في كسر البيت.( يقصد أن بيته كان ضيقاً إشارة إلى زهده )

قال: وكانت ولايته سنة أربع عشرة أو خمس عشرة.
وذكر محمد بن وضاح قال: هوى إبراهيم بن العباس إلى الشيخ يحيى بن يحيى جداً، وعول على رأيه، فوجد أعداؤه السبيل إلى ذمه والسعاية عليه، من باب انقطاعه إلى يحيى ورضا يحيى عنه من بين من لم يزل يسخطه من القضاة قبله، فوشوا الوقائع فيهما إلى الأمير عبد الرحمن، وانتصحوه في تآلفهما، وقالوا إن إبراهيم لا يقبل من الناس إلا من أشار عليه يحيى بقبوله ولا يفصل في حكومة إلا عن أمره، فقد استمال الناس إليه، فلهم فيه هوى شديد، وطمعه قوي في أن يصير الأمر في يده، فشغل بال الأمير جداً، ووهمه في دغل الشيخ يحيى بن يحيى على انحطاطه في شعبه وعزوه لإرادته.
فأحضر ضده عبد الملك بن حبيب _ أحد كبار علماء المالكية _ وخلا به، وقال له: قد تعلم يدي عندك، وأنا مكترث لأمر كبير أريد أن أسألك عنه، فاصدقني فيه.
فقال: نعم، لا يسألني الأمير – أعزه الله – عن شيء إلا صدقته عنه.
قال: فإنه رفع إلينا عن قاضينا إبراهيم وعن صديقه يحيى بن يحيى أنها يعملان علينا في هذا الأمر.
فقال له عبد الملك: قد علم الأمير ما بيني وبين يحيى من التباعد_ كان بينهما خصومة_، ولكني لا أقول إلا الحق: ليس يجيء من عند يحيى إلا ما يجيء مني، فمكانه من الدين مكانه، وكل ما رفع عليه إليك فباطل. وأما القاضي فلا ينبغي للأمير أن يشركه في عدله من يشركه في نسبه.
فعزله الأمير حينئذ عن القضاء

أقول : هنا عبد الملك بن حبيب أنصف القاضي المرواني مع أنه صديق لخصمه وقال أن يحيى بن يحيى لا يشير إلا بخير لأنه فقيه ورع في هذه الأبواب ولكنه أشار بعزله لأن نسبه يلتقي مع نسب الأمير فكلهم مروانيون فقال : القاضي فلا ينبغي للأمير أن يشركه في عدله من يشركه في نسبه.

وعلة هذا والله أعلم أن قرب النسب يوجب من المحاباة ما يشوش على العدل وربما خاف بعض الناس من شكايته لما يرون من قرب نسبه من نسب الخليفة والإنصاف وهذا نظر دقيق من عبد الملك