في رحاب أهل الحديث
١-قال عبد الله بن أحمد ابن حَنْبَل : عرضت على أبي حديثا حدثناه الفضل بن زياد الطستي، حدثنا ابن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر – مرفوعا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن، فقال أبي: هذا باطل – يعنى أن إسماعيل وهم.
أقول : الإمام أحمد يفتي بمعنى هذا الحديث بناء على فتاوى للصحابة عنده ومع ذلك لما روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم غلطا ما تسامح في ذلك نهائيا مع أنه يقول بمعنى الحديث ونص على أن الخبر باطل ( يعني باطل رفعه إلى النبي وإنما هو قول ابن عمر ) وهذا من دقه أهل الحديث وتحريهم وإنصافهم
٢- قال الذهبي في ترجمة عبد الله بن صالح كاتب الليث : “وقد قامت القيامة على عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قال: ثنا نافع بن يزيد عن زُهْرة بن معبد عن سعيد بن المسيب، عن جابر مرفوعًا: “إن الله اختار أصحابي على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة : أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير“.
أقول : تأمل متن الحديث تجده جميلا وموافقا لعقيدة أهل السنة ومع ذلك لما حدث به عبد الله بن صالح علم أهل الحديث أنه حديث منكر لعدة أسباب من أهمها أنه لا يعرف في الطبقات المتقدمة وسعيد بن المسيب لا يكاد يروي عن جابر إلا شيئا قليلا ثم أين أصحاب جابر وابن المسيب المشاهير والنفوس تتشوف لرواية مثل هذا الحديث فَلَو كان حقا ما انفرد به عبد الله بن صالح في طبقة متأخرة فتأمل إنصاف المحدثين وشدتهم على من روى شيئا عن رسول الله بلفظ لا يعرف عنه مع أنهم جازمون بصحة المعنى فكيف بمن يروي معنى منكر ؟
٣- جاء في ترجمة عبد العزيز بن أبان الأموي : قال أحمد: لما حدَّث بحديث المواقيت تركته، ولم أخرج عنه في “المسند” شيئًا، قد أخرجت عنه على غير وجه الحديث.
وقال ابن معين: كذّاب خبيث يضع الحديث.
وقيل لابن معين: ما تنقم عليه؟ قال: غير شيء، أحاديث كذب ليس لها أصل، منها: حديث عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال للعباس: “يكون من ولدك من يملك كذا ويفعل كذا”. فقال العباس: أفلا أختصي يا رسول الله؟
ومنها: حديث عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: “تخرج رايات من المشرق … “.
قال ابن معين: هذه الأحاديث كذب، لم يحدث بها أحدٌ قط إلا سقط حديثه
أقول : هذه الأحاديث التي قال ابن معين لا يحدث بها أحد إلا سقط حديثه هي أحاديث تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خروج العباسيين وصفتهم وعلى الرغم من كوّن ابن معين يعيش في دولة عباسية ينص على كذب هذه الأحاديث لكونها لا تعرف عند المتقدمين ولا يرويها إلا المتهمين بعدما ظهر العباسيون
وعليه القوم ما كانوا متشوفين لتكثير دلائل النبوة على حساب الصدق والأمانة بل كان عندهم اكتفاء وصدق
فتأمل الأمثلة الثلاثة
الأول في رواية معنى عليه الفتوى والثاني في رواية معنى عليه الاعتقاد والثالث في رواية خبر يعضده الواقع واستنكروها كلها إنصافا لما قامت عندهم الأدلة أنها من وضع الوضاعين ثم يأتي بعد ذلك جهول ويظن أنه أدرك شيئا ما أدركه هؤلاء الكبار الذين قضوا أعمارهم في التدقيق والتحري مع الإنصاف التام والتجرد للشرع لا الهوى كما يصنع أدعياء التنوير.