قال أبو يعلى في العدة ( 5/1571) :” وأما تسويغ العامي تقليد من يشاء من المجتهدين فلعمري انه كذلك.
وهو ظاهر كلام أحمد -رحمه الله- في رواية الحسين بن بشار المخرمي وقد سأله عن مسألة من الطلاق فقال: “إن فعل حنث. فقال له: يا أبا عبد الله إن أفتاني إنسان، يعني: لا يحنث؟ فقال له: تعرف حلقة المدنيين بالرَّصافة؟ قال له: فإن أفتوفي يحل؟ قال نعم” .
وهذا يدل على أنه لا يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتيين؛ لأنه أرشده إلى حلقة المدنيين، ولم يأمره بالاجتهاد في ذلك”
حتى قال أبو يعلى :” وكأن المعنى في ذلك أنه لا سبيل له إلى معرفة الحق والوقوف على طريقه.
وكل واحد من المجتهدين يفتيه بما أدى اجتهاده إليه، فيؤدي ذلك إلى حيرته، فجعل له أن يقلد أوثقهما في نفسه”
طبعاً هذا متفرع على كون الفقيه أصالة غير مقدوح في عدالته ولا دينه وأنه يثق بديانته وتقواه
والسؤال هنا : إذا كان العامي أصلاً متمذهباً فما معنى هذا البحث ؟ أليس ينظر ما يقوله المذهب ويكتفي بذلك ؟
الجواب : التمذهب من مراتب المتعلمين والعامي لا مذهب له
جاء في الدر المختار لابن عابدين :” وَقَدْ شَاعَ أَنَّ الْعَامِّيَّ لَا مَذْهَبَ لَهُ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ النَّسَفِيِّ مِنْ وُجُوبِ اعْتِقَادِ أَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْتِزَامُ مَذْهَبِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْعَامِّيِّ”
وهنا وقفة إذا كان العامي لا مذهب له ويجوز له في قول أن يأخذ بقول كل من يثق بدينه وقال كثيرون بجواز تقليد العامي المفضول مع وجود الفاضل وهذا ما يقرره أبو يعلى ، أفلا يجوز ترك قول الفاضل من المتعلم المتمذهب إذا علم أنه خلاف الدليل !
نعم نحن نعاني من عجلة عند كثير من الشباب وضيق في فهم مفهوم الدليل حتى أنه عندهم أضيق من مفهوم علماء السلف وتفلت وجرأة على مخالفة الجمهور بل والإجماع أحياناً مع عدم فهم حجة الجمهور أو الفقهاء ولكن هذا لا يعالج بالجمود ولا نتذمر من مخالفة الإجماع ثم نتصالح مع مخالفة الأحاديث الصريحة التي تصدر من بعض المتعصبين مذهبياً فمخالفة الحديث مخالفة لأصل ومخالفة الإجماع مخالفة لأصل ، ولا يغني عن مخالف الحديث أنه يتبع إماماً لم يبلغه ما بلغه ، وربما يخالف المتعصب إجماع الصحابة الذي صح لأن إمامه لم يبلغه هذا الإجماع فأفتى بنظر
وقال ابن عقيل في الواضح في أصول الفقه :” واعلم أنه لا يجبُ نُصْرَةُ أصولِ الفقهِ على مذهب فقيهٍ، بل الواجبُ النَظَرُ في الأدلَّةِ”
هو هنا يوجب الاجتهاد في أصول الفقه وهذا قال به القرافي أيضاً في التنقيح ويا ليت شعري إذا اجتهدت في الأصول فبان لك غلط مذهبك في بعض أصوله لزمك مخالفته فيما تفرع من هذا الأصل كأن يستبين للحنفي بطلان أصل الحيل أو للمالكي ضعف أصل التعلق بالمرسل المدني _ وإن كان ابن العربي قال أن تحقيق مذهب مالك أنه يقول بالمرسل إذا عضده عمل أهل المدينة _ فقطعاً سيخالف ما تفرع على هذا الأصل وابن عقيل هنا يخاطب كل طبقات المتعلمين لا العوام والخلط بين طبقات المتعلمين على اختلاف درجاتهم والعوام هو أساس شغب دعاة التعصب المذهبي
وهذه ليست دعوة للفوضى والتسرع في الفتيا ومخالفة الجماهير قبل النظر في حجتهم أو فهم طريقة الاستدلال عند الفقهاء ، وإنما بيان لغلط يقع فيه أهل التعصب على أن تسويتهم بين مذاهب أهل الحديث وأهل الرأي في وجوب التقليد أمر لن يجدوا ما يسعفهم من نصوص الأئمة عليه بل الرواية لا تختلف عن أحمد في عدم جواز استفتاء أهل الرأي