قَال عَبد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل فِي “كتاب صفين” : حَدَّثني أبي. قال: حدثنا أَبُو المغيرة، قال حَدَّثَنَا صفوان، قال حدثني أَبُو الصلت سليم الحضرمي، قال: شهدنا صفين. فأنا لعلى صفوفنا، وقد حلنا بين أهل العراق وبين الماء، فأتانا فارس على برذون، مقنعا بالحديد، فَقَالَ: السلام عليكم، فقلنا: وعليك، قال: فأين مُعَاوِيَة؟ قلنا: هُوَ ذا، فأقبل حَتَّى وقف، ثم حسر عن رأسه، فإذا هُوَ أشعث بْن قيس الكندي، رجل أصلع ليس فِي رأسه إلا شعرات، فَقَالَ: اللَّه اللَّه يَا مُعَاوِيَة فِي أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام، فمن للبعوث والذراري؟ اللَّه اللَّه، فإن اللَّه يقول: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إِلَى أمر اللَّه} (2) فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: فما الَّذِي تريد؟ قال: نريد أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوالله لتخلن بيننا وبين الماء، أو لنضعن أسيافنا على عواتقنا، ثم نمضي حَتَّى نرد الماء أو نموت دونه، فَقَالَ مُعَاوِيَة لأبي الأَعور عَمْرو بْن سفيان: با أبا عَبد اللَّهِ خل بين إخواننا وبين الماء، فَقَالَ أَبُو الأعور لمعاوية: كلا والله يَا أما عَبد اللَّهِ، لا نخلي بينهم وبين الماء، يَا أهل الشام دونكم عقيرة اللَّه، فإن اللَّه قد أمكنكم منهم، فعزم عليه مُعَاوِيَة، حَتَّى خلى بينهم وبين الماء، فلم يلبثوا بعد ذَلِكَ إلا قليلا، حَتَّى كَانَ الصلح بينهم، ثم انصرف مُعَاوِيَة إِلَى الشام بأهل الشام، وعلي إلي العراق بأهل العراق.( تهذيب الكمال )
رواه أيضا الدولابي في الكُنى والأسماء ورواه من طريق عبد الله بن أحمد ابن العديم في بغية الطلب
قال ابن أبي شيبة في المصنف حدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، أَنَّ عَلِيًّا ، قَالَ لأَبِي مُوسَى : احْكُمْ وَلَوْ تحزُّ عُنُقِي
وقد روى قصة الصلح بين الحسن ومعاوية البخاري رحمه الله تعالى في (صحيحه).
فقد روى بإسناده إلى الحسن البصري حيث قال: (استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية – وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس – عبد الرحمن ابن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز – فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟ قالا نحن لك به فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به فصالحه فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)
لاحظ الرواية الثلاثة جيدا فإنك قل أن تسمعها مع كونها إسنادا من عامة ما يذكر في الفتنة
في الرواية الأولى تجد أن الأشعث بن قيس أحد أمراء علي يحدث معاوية بالصلح ويقرأ عليه من القرآن الآيات المرغبة لذلك ومعاوية يرق له ويقول : إخواننا
وفِي الثانية تجد أن عليا لما رأى المعركة اشتدت بين المسلمين تراجع عن قرار القتال وطلب من أبي موسى أن يقبل بالتحكيم ولو كانت نتيجته قتله مع أنه كان الطرف الأقوى في المعركة
وفِي الثالثة تجد معاوية يستعير كلمات الأشعث التي في الرواية الأولى في حواره مع عمرو بن العاص ويرى عرض الصلح على الحسن فوجدوا ليس راغبا في الصلح فحسب بل راغبا باعتزال الحياة السياسية تماما
ومع هذه الأمور تجد جماعة ينفخون في هذه الخلافات التاريخية مع أن الفتنة ما وقعت الا مدة وجيزة واعتزلها معظم الصحابة ومالت الأطراف المتنازعة للصلح بآخرها
والبعض يحاول أن يلقي بخيبته العصرية على دولة الأمويين ودولة العباسيين – والتي لم تكن شيئا واحدا- وهذا يشبه أن يرجع الأوروبيون تقدمهم لعصور الظلام مثلا أو الحملات الصليبية أو الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت وبطبيعة الحال هو يرفض هذا
فتجرد الدول المذكورة من كل انجازاتها مع وجود أخطاء لا تنكر ولكنهم كانوا أفضل الأمم في وقتهم ثم يحملون تبعات أخطاء الخلوف واستسلامهم لأعدائهم حتى ثقافيا
الدولة الاسلامية قديما كانت توفر الحفظ من أعداء الخارج وتأمين السبل مما يوفر تنقلا حرا في مساحة شاسعة جدا من الأرض وجهاز قضائي نزيه في الجملة – خصوصا في وقت مثل معاوية – ولا يوجد ضرائب مع توفير إعطاء مال الزكاة والفيء والخراج لمستحقيه ولم يكن يمكن للخليفة التغيير في البنية التشريعية وإنما
يتخير بين أقوال الفقهاء الذين خلافهم محدود ومضبوط
واليوم تتم مقارنة هذه الدول مع دول حديثة يفشو بها ما كان يسمى قديما ظلما وطغيانا من السماح بالمنكرات التي تضيع الأعراض وتكثر النزاعات مع انتشار الربا والضرائب وفقدان الهوية الدينية بحيث نجد انتشارا في موجات الانتحار والعدمية حتى في المجتمعات المترفة وصار التغيير في البنية التشريعية متاحا اذ لا مرجع إلا الأهواء عن طريق تكريس الاعلام والأحزاب الموالية باختصار كثير من الظلم صار عدلا باسم القانون
ومع وجود برلمانات إلا أن هذه الدويلات الصغيرة لم تمنع خوض حروب غير عادلة ولا بيع سلاح لظالم ولا دعم طغاة ولا تدبير انقلابات عسكرية ولا ابادات جماعية ولا تجويع قارات بل هناك عشرات النماذج الديمقراطية النقية الفاشلة حتى على مقاييسهم مثل اليونان ودوّل أوروبا الشرقية وزامبيا والفلبين والعديد من دول أمريكا اللاتينية ودوّل البحر الكاريبي وغيرها
هذا مع أن التجارب الناجحة المزعومة والتي لا تخلو من صلة بالإمبريالية أو الرأسمالية عمرها قصير على عرج شديد في قضايا وجودية وليست قرونا من النجاح والتميز
ولا أدري كيف يتم تجاهل كون نهضة العلوم التجريبية في العالم الاسلامي كانت تحت ظل تلك الدول والتي يعترف الجميع بفضلها على البشرية – أعني النهضة العلمية –
وَمِمَّا يسجل لمن يسميهم البعض ( طغاة ) من ملوك المسلمين قديما وفيهم طغاة فعلا أنهم ما أجروا نساء المسلمين لكل من هب ودب بحجة السياحة أو بعضهم يصرح بلفظ الدعارة فهذا أقذر صور الرق والمهانة بل الرق أسمى من هذا وذلك ناقض لكل حرية يعزي بها العبيد أنفسهم
وتلك الامتيازات في الدولة الاسلامية مع وجود تهديد خارجي قوي هو الذي كان يحمل كثير من الناس على احتمال بعض الأمور مع بذل النصح ومع ذلك وقعت في التاريخ الاسلامي ثورات كثيرة وكان ييسرها تقارب القدرة العسكرية بين الثائر والمثور عليه حتى أن تجمعات صغيرة يمكنها احداث زعزعة بخلاف اليوم فالمقدرة العسكرية الكبيرة محتكرة بيد السلطات وكما أن قراءة التاريخ باجتزاء حالم ومقدس ضار فكذلك قراءته بنفس استشراقي أو انهزامي تغريبي ضار أيضا.