فإن مما أحدثه متأخري الصوفية الاحتجاج بالكشوف والمنامات والإلهامات ،
وهذه أمور يعتضد بها ولا يعتمد عليها للاستدلال على حكم شرعي
وهم يتمسحون بعدد من المذكورين بالزهد والعبادة كالجنيد والسري السقطي
وأبي سليمان الداراني
ومن تأمل أحوال هؤلاء وجدها مناقضة تمام المناقضة لأحوال المتأخرين أدعياء
الزهد ومن ذلك
ما روى ابن أبي حاتم في تفسيره 16464 : حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن أبي الحواري
، ثنا عباس الهمذاني ، حدثنا أبو أحمد من أهل عكا ، في قول الله عز وجل : ( لنهدينهم
سبلنا ) إلى قوله : ( وإن الله لمع المحسنين ) قال : الذين يعملون
بما يعلمون يهديهم لما لا يعلمون .
قال أحمد بن أبي الحواري ، فحدثت
به أبا سليمان الداراني فأعجبه وقال : ليس ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به
حتى يسمعه في الأثر ، فإذا سمعه في الأثر عمل به ، وحمد الله حين وافق ما في نفسه.
قلت : إسناده صحيح وهذا متن جليل في الرد على من يحتج بغير الأثر في إثبات
الحقائق الشرعية
وليعلم أن هذا إلزام وأن الداراني قد وقع منه زلات يبصرها من نظر في أخباره كجعله بذل الأسباب منافياً للتوكل وإنكاره لأمر التكسب ، وهذا وأمثاله وقع لهم مثل هذا معارضة للمبالغين في طلب الدنيا لما في قلوبهم من عظيم الزهد غير أن ذلك لقلة ما معهم من العلم أوقعهم في محدثات لم تعرف في زمن الصحابة والتابعين وأما الصوفية المتأخرون فضرب آخر من الناس أحوالهم تنادي بالزندقة في كثير منها
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم