قال تعالى: {من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} [البقرة: ٢٤٥].
ما ذكر القبض إلا وذكر معه البسط، ومعنى هذا أنه لا توجد شدة دائمة، وكل شدة بتراء لا دوام لها، وأنه لا يغلق باب وإلا ويفتح معه باب.
وأنه لا يوجد محروم من كل شيء، مهما توهم ذلك، فلا بد أن معه من النعم الشيء العظيم، ومعه أمر يتمناه غيره.
هذه معانٍ قد يدركها كثير من الناس في ساعة صفاء وصدق مع النفس، غير أن هناك أمراً يغفل عنه كثيرون.
وهو أنك قد تظن الأمر قبضاً، كفقر أو مصيبة أو فقد حبيب أو وظيفة، وهو في الحقيقة بسط وعطاء.
قال البخاري في صحيحه: “1469- حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله ﷺ، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر»”.
تأمـل قوله ﷺ: «وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر».
عبر عن الصبر بالعطاء، وأنت متى تحتاج الصبر؟ أليس تحتاجه في المصيبة؟
ومع ذلك هو عطاء من الله يعطيكه فتصبر فتؤجر، وتتسلى بالله عز وجل فتخف عليك المصيبة وتحصِّل أجرها، وتأتي يوم القيامة خفيفاً من ذنوبك مثقلاً بحسناتك، فيصير الأمر حياة ونجاة، حياة في الدنيا طيبة، ونجاة في الآخرة من العذاب.
قال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} [النحل: ٩٧].
فسر جماعة من السلف الحياة الطيبة بالقناعة، والقناعة شعبة من الصبر، فهل علمت كيف أن ما تظنه قبضاً قد يكون بسطاً بالعطاء؟ والعكس بالعكس، فما تظنه بسطاً قد يكون استدراجاً وإذهاباً للحسنات.