قال ابن حجي [ ت 816 ] في تاريخه :
ويومئذ قعد جمال الدين بن الشرائحي المحدث بالجامع ويقرأ عليه إبراهيم الملكاوي في كتاب [ الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي ]
باستدعاء إبراهيم منه ذلك
ويقرأه على وجه الرواية وصار يجمع الناس على سماعه
فحضر عنده عمر الكفيري فأنكر عليهم ذلك وبالغ في التشنيع وأخذ الكتاب وذهب إلى المالكي فطلب إبراهيم وأغلظ له
ثم أُعيد الطلب من الغد يوم الخميس فطلب ابن الشرائحي وبالغ في أذاه
ثم أمر به إلى السجن وطلب إبراهيم فتغيب وأخذت نسخة ابن الشرائحي فقطعت
ثم قبض على الملكاوي آخر نهار الجمعة
وأُحضر عند المالكي فسأل عن عقيدته فقال: الإيمان بما جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فانزعج ( القاضي ) لذلك ..!
وأمر بتعزيره وضربه أسواطًا والنداء عليه ثم أطلقه
فلما كان يوم الجمعة سابع عشريه تطلبه مرة أخرى فظفر به
وكأنه بلغه عنه كلام أغضبه فضربه ضربًا مبرحًا ونادى عليه
وأراد أن يطوف به على حمار وبالغ في أذاه وحكم بسجنه شهرًا.انتهى
أقول : هذه ليست حالة شاذة بل هي حالة متكررة من قضاة أشاعرة ينكلون بأهل الحديث في ذلك الزمان وقبله وقد أحفظه أن الرجل يُؤْمِن بظواهر الكتاب والسنة والعجيب أن القوم متصالحون تماما مع حقيقة أنهم ورثة الجهمية الذين رد عليهم السلف لهذا ذكر ردود السلف عليهم يغيظهم لمعرفتهم أنهم يشملهم الذم
قال بدر الدين العيني في عقد الجمان : ومنها: أن في شهر رجب قرأ الشيخ جمال الدين المزي فصلا في الرد على الجهمية من كتاب أفعال البخاري تحت قبة النسر، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وقالوا: نحن المقصودون بهذا التكفير، وسعوا به إلى قاضي القضاة ابن صصري، فأحضره إلي بين يديه ورسم بحبسه.
وهذا الغضب من قراءة كتاب البخاري في الرد على الجهمية واعتقادهم أنهم المقصودون بالكلام نظير ما كان في شأن الرد على الجهمية
وفِي المناظرة على العقيدة الواسطية : فقال الشيخ كمال الدين لصدر الدين بن الوكيل: قد قلت في ذلك المجلس للشيخ تقي الدين: أنه من قال إن حرفا من القرآن مخلوق فهو كافر، فأعاده مرارا فغضب هنا الشيخ كمال الدين غضبا شديدا ورفع صوته. وقال: هذا يكفر أصحابنا المتكلمين الأشعرية الذين يقولون: إن حروف القرآن مخلوقة مثل إمام الحرمين وغيره وما نصبر على تكفير أصحابنا.
أقول : هذا يؤكد أنهم متصالحون مع حقيقة أنهم جهمية فالقول بخلق القرآن من أظهر عقائد الجهمية الأولى
فقال ابن حجر في الدرر الكامنة (1/233) :” ولما وقعت محنة ابن تيمية في سنة 705 والزم الحنابلة بالرجوع عن معتقدهم وهددوا تلطف القاضي تقي الدين وداراهم وترفق إلى أن سكنت القضية”
وقال المقريزي في الخطط (2/488) :” وولى القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي، كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول، فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاده، حتى يكفر من خالفه”
وقد ذكر أنه في دولة ابن تومرت يسفك دم من خالف الأشعري ، ومعلوم أن الحافظ عبد الغني المقدسي أفتى الأشاعرة في أصبهان بقتله وحتى في الشام كتبوا إلى الوالي بزندقة الحنابلة حتى هم بإخراج الحنابلة من البلاد
وفِي ذلك حوادث كثيرة وهذا سمت القوم في سنوات تمكينهم مع عجزهم عن مسخ فطرة المسلمين فلما ضعفت أسبابهم خصوصا بما أظهر ابن تيمية من الحجاج حتى آل حالهم إلى الوهن الذي نراه الْيَوْم صاروا يتباكون وينسبون مخالفيهم إلى التطرف والإرهاب استفادة من النفس الانسانوي ولا يتحرج كثير منهم من التعاون مع الروافض والعالمانيين والإباضية ويظنون أنهم بذلك سيحققون ما عجزوا عنه مئات السنين كان لهم فيها التمكن من الأمراء ( ما أظرفهم وأخصب خيالهم ) فما أعادوا مذهبهم ولا حفظوا الملة وإنما كانوا مطايا لمشاريع زندقية محضة
وإنني في شوق شديد إلى القوم حيث كانوا رجالا يجهرون بمعتقدهم والموقف من المخالف بدلا من هذا التأنث والتباكي البارد وليتهم اذ تشبهوا بالنساء انتقوا العفيفات منهن