قال ابن حزم في الفصل (2/48) :” من
طوامهم ما حكاه السمناني عن الباقلاني أنه قال واختلفوا في وجوب كون النبي صلى
الله عليه وسلم أفضل أهل وقته في حال الرسالة وما بعدها إلى حين موته فأوجب ذلك
قائلون وأسقطه آخرون و قال الباقلاني وهذا هو الصحيح وبه نقول.
قال أبو محمد: وهذا والله الكفر الذي لا
خفاء به إذ جوز أن يكون أحد ممن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فما بعده أفضل من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنكرنا على أحمد بن خابط الدون هذا إذ قال أن أب
ذر كان أزهد من النبي صلى الله عليه وسلم هذا مع قول هذا المستخف الباقلاني الذي
ذكره عنه السمناني في كتابه الكبير في كتاب الإمامة منه أن من شرط الإمامة أن يكون
الإمام أفضل أهل زمانه.
قال أبو محمد: يا للعيارة بالدين يجوز عنه
هذا الكافر أن يكون في الناس غير الرسل أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
يجوز عنده أن يلي الإمامة أحد يوجد في الناس أفضل منه ثم حمقه أيضاً في هذا حمق
عتيق لأنه تكليف ما لا يطاق”
وهذا تكفير من ابن حزم للباقلاني بعينه
لقوله بأنه يجوز أن يكون في الأمة من هو أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم
وأيضاً كفره هو وابن فورك بقولهم بوقوع
الأنبياء في الكبائر والصغائر ، وقد نقد هذا القول ابن تيمية في النبوات وصحح نسبته للباقلاني
وكفره أيضاً لقوله بالصرفة في إعجاز القرآن _ وهذا ثابت عنه وقال به الكثير من الأشاعرة _ وفاته قوله بإيمان فرعون
وقوله الذي نقله عنه ابن تيمية في إرجاء الواقفة وهو القول بأنه قد لا يدخل أحد من الموحدين النار مطلقاً
وقول ابن تيمية عنه أنه أفضل الأشاعرة المنتسبين للأشعري هذا في سياق مقارنة مع بقية الجهمية الأشعرية لا مدح مطلق وفعلاً قد يكون أفضلهم وكلهم جهمية جبرية مرجئة وبعضهم يترك بعض الإرجاء أو بعض الجبر والتجهم الذي لا يسلم منه أحد منهم
وكفر ابن حزم ابنَ فورك ولعنه لقوله بأن النبي صلى
الله عليه وسلم ليس نبياً الآن
وقد نقلت هذا النص عن ابن حزم على تجهمه
لبيان عدة أمور
أولها : أن كثيراً ممن يطلق القول
بالإعذار بالجهل بدون قيود أو ضوابط يحتج بكلام ابن حزم فهذا ابن حزم يكفر أعيان
لمقالات قبيحة ما أطاقها وما تصور أن مسلماً يتكلم بها :
ثانيها : أنه من طريقة عدد من المشتغلين
هذه الأيام نقض إجماعات السلف الأخيار بشذوذات ابن حزم فيقول بعضهم ( لا إجماع على
نجاسة القيء فقد خالف ابن حزم ) و ( لا إجماع على زكاة عروض التجارة فقد خالف ابن
حزم ) ، و( لا إجماع على أن الاستمناء في نهار رمضان ينقض الصيام فقد خالف ابن حزم
) ولا أدري كيف يستقيم في عقولهم أن يغلط السلف جميعاً ويصيب رجل جهمي
غير أن المدعين للإجماع على إسلام
الأشاعرة يلزمهم نقض الإجماع إن كانت هذه طريقتهم في البحث ، وقد بينت الإجماع على
أن بدعة الأشاعرة مكفرة في كتاب مستقل
وكلام ابن حزم هنا ليس شذوذاً فهو حقيقة
كلام الأنصاري في ذم الكلام ومن معه في تكفير الأشاعرة وعدم حل ذبائحهم ، وحقيقة
كلام السجزي الذي كفر الأشاعرة ثم لما سمى أئمة الضلالة سمى الباقلاني وابن فورك
ثالثها : أن ابن حزم مع هذه الشدة التي
يرفضها بعضهم إمام وسني عند كثير من الناس !!
والباقلاني يثبت الكثير من الصفات الذاتية
على طريقة الكلابية منها صفة العلو ، لذا هو خير من عامة الأشاعرة المتأخرين
النافين لعامة الصفات الذاتية ( أصحاب شروح كتب الحديث والكثير من التفاسير )
فإذا كان ابن حزم مع تكفيره للباقلاني ليس
مبتدعاً عندكم ! ، أفيكون مبتدعاً سني قال في فيمن هو شر من الباقلاني ما هو أخف
من قولة ابن حزم فيه
سبحان الله الذي قسم العقول
وابن حزم كان يقول بأن أسماء الله أعلام
وليست نعوت وينفي عامة الصفات وينكر كرامات الأولياء ويقول بنبوة النساء وينكر أن
تكون أفعال الله معللة ويقول بعصمة الأنبياء من الصغائر ويرى السيف ( كعادة أهل
الأهواء ويدعي الإجماع عليه ) ويطعن في أبي الطفيل وينكر أن يكون للسحر حقيقة بل
يكفر أهل السنة القائلين بأن له حقيقة ويحصر أسماء الله في تسعة وتسعين ويكفر من
يزعم أنها أكثر من ذلك وينكر القياس ، واخترع مذهباً باطلاً في التفضيل بين
الصحابة فادعى بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل الصحابة ، وقوله بالصرفة في إعجاز القرآن
فاعجب ممن يحتمل من ابن حزم كل هذه الضلالات ويحمر أنفه إذا قيل ابن حزم جهمي
وله شذوذات معروفة في الفقه والحديث
ونقولات لمذاهب الناس ينفرد بها في كتبه حتى ادعى أن الشافعي لا يقول أن الله عليم
بعلم ، وادعى أن الإمام أحمد يقول بأن الاسم هو المسمى
وقد قال فيه ابن عبد الهادي ( جهمي جلد )
والنووي على ما عنده في العقيدة كان ينفر
عن كتب ابن حزم ولا ينقل عنها كما نقل ذلك عنه السخاوي في المنهل العذب الروي وابن
كثير في البداية والنهاية
قال ابن حجر في لسان الميزان :” وقال
مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حبان: كان بن حزم حامل فنون من حديثه وفقه ونسب وأدب مع
المشاركة في أنواع التعاليم القديمة وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته في
السوال على كل فن ومال أولاً إلى قول الشافعي وناضل عنه حتى نسب إلى الشذوذ
واستهدف لكثير من فقهاء عصره ثم عدل إلى الظاهر فجادل عنه ولم يكن يلطف في صدعه
بما عنده بتعريض ولا تدريج بل يصك به معارضه صك الجندل وينسفه في أنفه انساف
الخردل فتمالا عليه فقهاء عصره وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا أكبارهم من
قبيله ونهوا عوامهم عن الاقتراب منه فطفقوا يعصونه وهو مصر على طريقته حتى كمل له
من تصانيفه وقر بعير لم يتجاوز أكثرها عتبة بابه لزهد العلماء فيها حتى لقد احرق
بعضها بإشبيلية ومزقت علانية ولم يكن مع ذلك سالماً من اضطراب رأيه”
وهذا الإجماع على تضليله مصيره عند أهل
العناد الذين يمتحنون الناس به الحش كما فعلوا في الإجماعات على جرح أهل الرأي
وإمامهم أبي حنيفة
وهكذا كلما ظهر في الأمة جهمي يرى السيف
ويستحدث طريقة في الفقه يكلف به الحمقى ويؤذون عباد الله الموحدين به ويجعلونه
محنة كأنه الحسن أو ابن سيرين أو الثوري أو أحمد ابن حنبل
وهذا داود الظاهري وهو خير من ابن حزم
يدعو عليه أحمد ويقول ( دود الله قبره )
ولابن تيمية نقد متين لطريقة ابن حزم في
الفقه في التسعينية
وقال حمود التويجري في كتابه الرد الجميل
على أخطاء ابن عقيل :” الوجه الثاني أن ابن حزم صرح في كتابه طوق الحمامة بما
يلزم منه القدح فيه وذلك في قصتين إحداهما ذكر أنه عشق جارية نشأت في دارهم لبعض
من في دارهم من النساء “
أقول : وقد ذكر ابن حزم حضوره لمجالس
غنائها
وعلق التويجري بقوله :” وفي هذا
الكلام عدة أمور كل واحد منها يكفي للقدح في العدالة منها تعرضه للمرأة الأجنبية
وطلبه الوصال منها “
وذكر عنه قصة أخرى هي أشد دلالة على
المقصود من هذه القصة التي ما ذكرتها بأكملها
وقد ذكر التويجري أن مذهب ابن حزم في
القرآن أنه خمسة قرآنات أربعة مخلوقة وواحد غير مخلوق وقد نقد ابن القيم مذهبه في
الكافية الشافية وهذا يؤكد تجهمه
وما أحسن ما قال التويجري في رده على ابن
عقيل لما قال ابن عقيل أن لحوم العلماء المسمومة فأجابه التويجري بأن ابن حزم من
أكثر الناس نهشاً للحوم العلماء الأموات أفيحل له ذلك ويحرم على غيره
وهذا يذكرني بابن عساكر الذي وصفه ابن
الجوزي بأنه متعصب للأشعري صاحب عبارة ( لحوم العلماء مسمومة ) وهو الذي صنف جزءً
في تضعيف حديث الأطيط والرد على المجسمة
يسمي أئمة أهل السنة مجسمة كعبد الله بن
أحمد والدارمي وغيرهم فهؤلاء لحومهم غير مسمومة عنده
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان (1/262) :”قال: وسمعت أبا عليّ ابن أبي سعيد يقول: إنه ليبلغ بهم فرط المحبة في إكرام الضيف أن يؤمر الصبي الجليل الأب والأصل الخطير في نفسه وماله بمضاجعة الضيف ليقضي منه وطره، ويرون ذلك كرما والإباء عنه عارا ونقصا، ولهم من هذا فضائح، ذكر بعضها إمام أهل المغرب أبو محمد عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي في كتاب له سماه الفضائح فيه تصديق لقول ابن حوقل، وقد ذكرت ذلك في كتابي الذي رسمته بأخبار أهل الملل وقصص أهل النحل في مقالات أهل الإسلام “
فهل من خلق أهل العلم التصنيف في فضائح
بعض القبائل وقذفها عن بكرة أبيها
وعادة أهل عصرنا انتقاد الشدة ولو في
محلها ، ومع ذلك يحفلون برجل شدته تتجاوز الحد كابن حزم والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم