تعليقات على رسالة محمد الكوس في أسماء الله الحسنى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد اطلعت على كتاب الوجيز في شرح أسماء الله الحسنى للكاتب محمد الكوس
( وهو منتسب إلى جمعية إحياء التراث الإسلامي )

فوجدت عليه عدة ملاحظات لا يسعني السكوت عنها

الملاحظة الأولى : قال الكوس في ص11 :” والاسم الأعظم هو ما دل على
جميع ما لله من صفات الكمال ، وتضمن ما له من نعوت الجلال والجمال مثل : الله والصمد
والحي القيوم وذو الجلال والإكرام والله أعلم “

أقول : الناس في مسألة إثبات اسم الله الأعظم على أقوال

القول الأول : تعيين اسم أعظم وهو قول السلف ثم اختلفوا في هذا الاسم المعين

القول الثاني : ترك تعيين اسم أعظم والقول بأن أسماء الله كلها عظمى وهذا
قول الأشاعرة وتابعهم بعض أهل العلم المعاصرين وهو خلاف قول السلف

وأما اختيار عدة أسماءٍ عظمى كما فعل الكوس فهذا لم يقل به أحد من الناس
، والأقوال المنقولة عن السلف في هذه المسألة أربعة

1_ الحي القيوم وهو قول القاسم أبو عبد الرحمن

قال الفريابي في فضائل القرآن 45 :

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، نا الوليد بن مسلم ، نا عبدالله بن العلاء
، حدثني القاسم أبو عبد الرحمن قال :

إن اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن ، في سورة البقرة ، وآل عمران
، وطه

قال الشيخ : التمستها ، فوجدت في البقرة [ آية الكرسي ] : الله لا إله
إلا هو الحي القيوم ، وفاتحة آل عمران الم الله لا إله إلاهو الحي القيوم ، وفي طه
: وعنت الوجوه للحي القيوم.

2_ذو الجلال والإكرام وهو قول مجاهد بن جبر

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 16384 :

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ حَمْزَةَ، ثنا شَبَابَةُ، ثناوَرْقَاءُ عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: الَّذِيعِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ
الاسْمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِأَجَابَ وَهُوَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.

3_رب رب ، وهو مروي عن ابن عباس وأبي الدرداء ولا يصح عنهما .

3_الله ، وهو قول جابر بن زيد أبي الشعثاء ومروي عن الشعبي

قال ابن أبي شيبة في المصنف 29979:

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي هِلالٍ ، عَن حَيَّانَالأَعْرَجِ ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُاللَّهُ.

أقول : حيان وثقه ابن معين كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، وبه
يثبت الخبر عن جابر بن زيد

ولم يصح عن أحدٍ من السلف اعتبار الصمد الاسم الأعظم

الملاحظة الثانية : قال الكوس :” المجيد هو الكبير العظيم الموصوف
بصفات المجد والكبرياء “

لا أعلم عن أحد من السلف تفسيره للمجيد بالعظيم

قال الطبري في تفسيره (15/400) :” (مجيد) ، يقول: ذو مجد ومَدْح وَثَناء
كريم”

الملاحظة الثالثة : قال الكوس في تفسير الصمد :” الذي صمدت إليه جميع
المخلوقات ، وقصدته جميع الكائنات بأسرها في جميع شؤونها “

قوله ( قصدته جميع الكائنات بأسرها في جميع شؤونها ) تفسير حادث لم يفسر
به أحد ٌ من السلف اسم الصمد وإنما قالوا ( الذي يصمد إليه في الحوائج ) ولم يقولوا
( قصدته جميع الكائنات في جميع شؤونها ) فإن هذا مخالف للواقع فإن من الكائنات الكفار
الذي يشركون بالله ولا يدعونه بل حتى أهل الإيمان قل فيهم من يقصد ويدعوه في جميع شؤونه

ولا يمكن تمشية تعريف الكوس هذا ، إلا على طريقة أصحاب وحدة الوجود الذي
يرون أنك إذا قصدت الصنم فقد قصدت الله عز وجل !

فلو التزم  محمد الكوس بألفاظ السلف وترك الإنشاء من عنده لكان خيراً
له

فإن قيل : هو لا يقصد المعنى المنتقد

قلنا : المراد لا يدفع الإيراد ، والشريعة جاءت بتصحيح الألفاظ والمقاصد
معاً خصوصاً فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته

قال الله تعالى :” يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا

قال الطبري 1437 – حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد،قال: ثنا سعيد، عن
قتادة: {ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} قول كانت تقوله اليهود استهزاء، فزجر
الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم.

قلت : هذا مع سلامة صدور المؤمنين من كل ما فيه انتقاصٌ للنبي صلى الله
عليه وسلم

وقال الإمام مسلم (870) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله. قالا:
حدثنا وكيع عن سفيان، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن تميم بن طرفة، عن عدي بن حاتم ؛

أن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: منيطع الله ورسوله فقد
رشد. ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بئس الخطيب أنت.
قل: ومن يعص الله ورسوله”

قلت : هذا من ذاك ،وتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الشدة
مع هذا الصحابي مع كونه لا يعرف الحكم الشرعي في المسألة بياناً منه صلى الله عليه
وسلم لعظيم خطر هذه المخالفة ، فإن لشدة تكون نصحاً وبياناً كما أنها تكون تعزيراً
وتبكيتاً

قال البخاري في صحيحه 212 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي
فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ
نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ

ومعلومٌ أنه لا أحد يقصد سب نفسه

الملاحظة الرابعة : ذكر في الأسماء التي لا تثبت اسم :” الصادق

والحق أنه ثابت في خبر موقوف على أبي موسى الأشعري

قال ابن أبي شيبة في المصنف 29949- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ
، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَن مَسْرُوقٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ أَبِي مُوسَى , فَجَنَّنََا
اللَّيْلَ إِلَى بُسْتَانٍ خَرِبٍ ، قَالَ : فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَقَرَأَ
قِرَاءَةً حَسَنَةً ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إنَّك مُؤْمِنٌ تُحِبُّ الْمُؤْمِنَ
, وَمُهَيْمِنٌ تُحِبُّ الْمُهَيْمِنَ , سَلامٌ تُحِبُّ السَّلامَ ، صَادِقٌ تُحِبُّ
الصَّادِقَ.

وهذا صحيح وقد روي إثباته عن ابن عباس

قال الحاكم في المستدرك 3406- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ
، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ
، أَنْبَأَ شَرِيكٌ ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ،قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {كهيعص} قَالَ
: كَافٌّ هَادٍ أَمِينٌ عَزِيزٌ صَادِقٌ.

رواية أهل الكوفة عن شريك فيها شيء

وقال علي بن الجعد كما في مسنده 1807 – حدثنا محرز بن عون ، وأبو الربيع
قالا : نا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، في قوله عز وجل « ( كهيعص) قال : كاف هاد أمين
عزيز صادق

قال : أبو الربيع يمين عزيز صادق .

فجعله مقطوعاً على سعيد بن جبير وهو أشبه فإن كان تلقاه عن ابن عباس وهو
الأقرب إذ أنه اخذ عنه التفسير ويبعد قوله بالرأي ففيه إثبات اسم الصادق وقد تقدم في
أدلة الكتاب إثباته على خلاف شديد فيه وإثبات اسم الكافي

وللخبر طريقان آخران عن ابن عباس

قال الثوري في تفسيره عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن ابن عباس في قوله إلا قَالَ كَافٌ كَبِيرٌ هَادٍ أَمِينٌ
عزيز صادق

عَنْ مُوسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ عن بن عَبَّاسٍ مِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ
جَعَلَ مكان كبير هاد كاف هاد.

والسند الأول فيه إسماعيل بن راشد مجهول الحال ، والثاني منقطع وموسى من
تلاميذ سعيد ، فإما أن يتقوى بمجموع الطرق عن إثبات أو يكون ثابتاً على سعيد بن جبير

الملاحظة الخامسة : ذكر الأسماء الثابتة وفاته اسم الطبيب الثابت

قال أبو داود في سننه 4207 – حدثنا محمد بن العلاء ثنا ابن إدريس قال سمعت
ابن أبجر عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة في هذا الخبر قال فقال له أبي

: أرني هذا الذي بظهرك فإني رجل طبيب قال ” الله الطبيب بل أنت رجل
رفيق طبيبها الذي خلقها “

وهذا الاسم الخبر فيه أصح سنداً من الأخبار التي فيها أسماء الجواد والمحسن
والستير التي الخبر فيها لا يصح عندي ، فمن جمع في الأسماء الحسنى وذكر هذه الأسماء
كان الأولى به أن يذكر هذا الاسم وهو كاسم المقدم والمؤخر والمسعر والقابض والباسط
في قوة الدلالة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم