
تظهر أمامي هذه الأيام تغريدات لأناس يفاخرون بما يسمونه (الحضارة الفرعونية)، ولا يحتاج إلى مهارة كبيرة حتى تعرف أن كثيراً منهم نصارى أو ملاحدة، ولكن مثل هذه الأطروحات قد تؤثر في الناس في ظل الاحتقان الحاصل بين الشعوب، والذي يفرَّغ فيه كثير من الغضب الناشئ عن العجز.
رأيت تغريدة لفتاة تدخل في مثل هذه المعارك الفكرية بعقلية مفاخرات النساء فيما بينهن، هذه تفاخر بفستانها وهذه بشعرها وهذه بكيت وكيت، ولا تكاد تفاخر إلا بشيء قد خلقه الله أو آخر جاء بكدِّ وتعب وليها.
وضعت صورة لبقايا من (الحضارة الفرعونية) لنعال ذهبية، وتقول إنه حين كان أجدادها يلبسون نعال الذهب كان العرب حفاةً عراةً.
حمدت الله على نعمة العقل ومضيت، ولكن الأمر عاد إليَّ لأفتح من خلاله مسألة كنت أود بحثها منذ زمن.
لا شك أننا لا نعتد بهذا الهراء، ولكن أن الكرم في تقوى الله وطاعته وأن إنساناً وحَّد الله وعبده وهو عارٍ خير ممن لبس أكرم ملبس وهو مشرك {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات].
غير هذا المذكور بحد ذاته يبيِّن فضل الإسلام على الناس، فمثل هذه المظاهر إنما تنبت في مجتمعات موغلة في الطبقية، يكون فيها أثرياء فاحشي الثراء جداً وآخرون لا يجدون ما يأكلون، فقد يكون هذا أمراً مخزياً، فشخص يلبس نعال ذهب وآخر حافٍ، بل لا يجد ما يلبس.
هذا مقال لديلفين دريوكس عالمة مصريات، وهي نائب مشروع مصر الوسطى في جامعة فيينا، تقول فيه: “ما زلنا نعرف القليل جداً عن فقراء مصر القديمة، وربما يتحمل علماء الآثار والمؤرخون بعض المسؤولية في هذا. غالباً ما يُختار موضوع دراساتهم على أساس البيانات المتاحة، والتي تتكون عادةً من قطع أثرية وآثار محفوظة جيداً تنتمي، في معظمها، إلى الميسورين. لذلك فإن الدراسات المتعلقة بالمجتمع المصري متحيزة بالضرورة، لأنها تستند إلى نسبة صغيرة من السكان”.
وانتهت إلى أن الفقراء كانوا مسحوقين إلى درجة أنهم لم يتركوا أي آثار في التاريخ (وهم غالبية الشعب)، ثم يأتي أحفاد هؤلاء حقاً أو حتى أحفاد الروم أو الفرس أو البربر أو غيرهم ممن عاش في مصر ويفاخر بمن سحق أجداده لسد عقدة نقص عنده!
بينما شريعة الزكاة لوحدها في الإسلام -دع عنك الأوقاف والصدقات- كفيلة بألا يتكرر هذا البؤس، إلا عن نقص في الدين، ولا يكون كما كان في أيام الفراعنة.
والقراءة التاريخية للمصريات لا تخلو من تحيز وإكمال لكثير من الفراغات بهوى المتحدث، فأنت عندك رموز تستفيد منها.
فعلى سبيل المثال: تقول الدكتورة جويس تيلديسلي عالمة المصريات من جامعة مانشستر: “إن الملكة نفرتيتي كانت مجرد واحدة من سلسلة ملكات قويات لعبن دوراً مؤثراً في التاريخ المصري، ولم تحكم مصر قط” يعني لم تكن الفرعون.
تحويلها لملكة هو من نسج خيال بعض الناس، ودعم ذلك الأهواءُ النسوية المنتشرة، وتجد النسويات سعيدات بالأمر، مع أنها وغيرها كن خادمات مخلصات لأنظمة أبوية، بل طبقية قمعية هي أوصلتهن إلى ما وصلن إليه.