بيان عدم دخول الأموال التي يأخذها ولي الأمر من المحكوم ظلماً في مسألة الظفر

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن المسائل المشهور ة عند أهل العلم مسألة الظفر ، وهي أن يؤخذ من الرجل
مال على غير وجه حق ، فيتمكن من استرجاعه على سبيل الخلسة ، وما يشبه السرقة، وقد ذهب
جمع من أهل إلى جواز هذا واستدلوا بأحاديث :

قال البخاري في صحيحه بَاب قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُقَاصُّهُ وَقَرَأَ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ
مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}.

2460 – حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ هِنْدُ
بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ
رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا
فَقَالَ لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ.

2461 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ
حَدَّثَنِي يَزِيدُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْنَا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ
لَا يَقْرُونَا فَمَا تَرَى فِيهِ فَقَالَ لَنَا إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ.

وقد بلغني أن بعض الإخوة يذهبون إلى أن الحكومة التي تأخذ المكوس ( الضرائب
) ، يجوز لك أن تأخذ ( تسرق ) منها أي شيء على وجه ( الظفر )، وهذا القول فيه نظر من
وجوه:

أولها : أن ولي الأمر مستثنى من هذه النصوص المبيحة للظفر.

قال الصنعاني في سبل السلام (5/ 464) :” قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ
إذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ ، إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ
مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ
الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ
“، والسعي بالظفر ينافي الصبر على الجور ، ويؤدي مآلاً إلى المنازعة الظاهرة إذا
انتشر هذا القول بين الناس.

ثانيها : أن استرجاع مال الضريبة ، يؤدي إلى مضاعفتها على غير المسترجع
لتعويض النقص وهذا ضرر على المسلم الآخر ، وقد نبه على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية حيث
قال كما في مجموع الفتاوى (30/339) وهو يتحدث عن أداء المكوس :” ليس له أن يمتنع
عن أداء قسطه – يعني من المكس ( الضريبة ) – من ذلك المال امتناعا يؤخذ به قسطه من
سائر الشركاء فيتضاعف الظلم عليهم فإن المال إذا كان يؤخذ لا محالة وامتنع بجاه أو
رشوة أو غيرهما كان قد ظلم من يؤخذ منه القسط الذي يخصه وليس هذا بمنزلة أن يدفع عن
نفسه الظلم من غير ظلم لغيره فإن هذا جائز مثل أن يمتنع عن أداء ما يخصه فلا يؤخذ ذلك
منه ولا من غيره “.

ثالثها : أن هؤلاء المستحلين لأخذ أموال الحكومة لا يسترجعون عين أموالهم
، بل يأخذون ما يجدونه سواءً كان نقداً أو عروضاً ( يعني أشياء عينية ) ، وما يأخذونه
من العروض قد يساوي قيمة الضريبة أو يربو عليها فيكونون ظالمين بذلك فإن المباح لك
أخذ مالك فقط ، إن جوزنا لك أخذ المال .

رابعها : أن هذا ( الظافر ) يعرض نفسه للمخاطرة ، في حال القبض عليه وسيظهر
في صورة السارق عند عموم الناس الذين لا يفهمون مسألة الظفر التي غلط فيها هذا ( الظافر
) أصلاً ، وهذا يترتب عليه من المفاسد الشيء الكثير.

وهذا القول إنما انتشر في بعض البلاد التي ضعف فيها الأمن في حال الهرج
، والتنازع على السلطان وإلا فإن الإنسان لا يتمكن من الاقتصاص من حاكمه بسهولة ويسر
، وربما كان الحاكم المغلوب هو من أخذ منه الضريبة ، فيقتص من الحاكم الغالب ولا ذنب
له !

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم