المعز لدين الله الفاطمي رابع ملوك الفاطميين الذين اشتهروا بالرفض والإجرام بل والقرمطة.
قال ابن كثير في «البداية والنهاية» [11/310] ط. دار إحياء التراث العربي: “ثم كان أول حكومة انتهت إليه أن امرأة كافور الأخشيدي ذكرت أنها كانت أودعت رجلا من اليهود الصواغ قباء من لؤلؤ منسوخ بالذهب، وأنه جحدها ذلك، فاستحضره وقرره فجحد ذلك وأنكره.
فأمر أن تحفر داره ويستخرج منها ما فيها، فوجدوا القباء بعينه قد جعله في جرة ودفنه في بعض المواضع من داره، فسلمه المعز إليها ووفره عليها، ولم يتعرض إلى القباء فقدمته إليه فأبى أن يقبله منها فاستحسن الناس منه ذلك.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»”.
أقول: هنا ذكر ابن كثير قصة مثيرة للإعجاب عن المعز الفاطمي، وهي أنه استرجع حق امرأة مسلمة من يهودي احتال عليها، ولما أرادت المرأة أن تكافئه رفض ذلك.
فما ترك ابن كثير الأمر حتى نبه على حديث «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».
فهذا الرافضي المتهم بالقرمطة حين طبَّق شرع الله في هذه المسألة بعينها ما أنسانا ذلك رفضه وضلالته، وما منعنا أيضاً من الاغتباط بفعله.
والناس اليوم تغلبهم العاطفة ويفقدون التوازن غالباً، فتجدهم يكرهون ذكر بدعة وضلالة من صدرت منه مواقف مستحسنة عندهم؛ حتى هونوا من شأن الضلالات.
حتى رأينا من ينزل حديث «جند الشام» الذين أثنى عليهم النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- على بشار الأسد وحزب الله اللبناني، فالتحالف السياسي شيء وتنزيل أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- على عصبة من المجرمين شيء آخر.
وحتى الإباضي الجهمي ينال ثناءً عظيماً دون التنبيه على ضلالته التي يدعو إليها، من أناس ما فتئوا يتكلمون عن حرمة العلماء وتعظيم العلماء (ويعنون المخالفين العقديين)، ثم إذا تعلق الأمر بإباضي يتكلم في الصحابة كعثمان ومعاوية ويكفرهم استهونوا الأمر، ونظروا إلى الجانب المشرق من الشخص فحسب، حتى أن أحدهم كان إذا كلمني عن الإباضي يطلب الوثائق على أي شيء أنسبه له، وكأن دين الإباضية خفي على أحد، ثم تجد هؤلاء لا يتورعون عن التهويل والافتراء على إخوانهم الذين يوافقونهم في العقيدة أو الإعانة على ذلك.
وتجد المرء منهم إذا تكلم عن مبتدع قال: (افعل مثله ثم تكلم به)، ونسي أن الخوارج يحقر الصحابة صلاتهم إلى صلاتهم.
والبدعة إن كانت مكفرة فهي محبطة للعمل، وإن كانت مفسقة فإن الحسنات لا تنفي أثر الضلالة الدنيوي، فمن اعتقد بدعة الخوارج؛ أو المرجئة؛ أو القدرية؛ فإنه يصير مبتدعاً مهما كان مُظهِراً للصلاح.
وقد وقع لأقوام في زماننا أنهم قرأوا بعض الأخبار المستحسنة للحجاج، فنفوا كل مثالبه الثابتة في كتب السلف؛ لأنهم لا اتزان عندهم، فالمرء إما أن يكون بلا سيئات وكله حسنات، أو بلا حسنات وكله سيئات.
وكل ذلك يدفعه الحديث المذكور.