براءة الإمام أحمد من تهمة إنكار الإجماع

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذا زمان العجائب بحق إذ ينسب لبعض أئمة الإسلام مقالات الزنادقة ومع كون هذا الناسب لم يجمع نصوصه ولم يتمرس في فهمها

فنسبوا للإمام أحمد إنكار الإجماع ومعلوم أن الإمام أحمد له مذهب فيه مئات الفقهاء ما فيهم أحد فهم ما فهمه هؤلاء الأدعياء

وقد عولوا على كلمة رويت عنه لم يفهموها حق فهمها مع أن سياقها يبينها

وهي ( من ادعى الإجماع فهو كاذب )

وهذه الكلمة قالها أحمد في سياق نقد ابن علية والأصم فقال : ( تلك دعوى ابن علية والأصم ) وهما فقيهان معتزليان

ومعلوم أن هناك كثير غير ابن علية والأصم يدعون الإجماعات فلماذا الإمام أحمد يخص هذين بالذكر

وممن كان يذكر الإجماع كدليل ويحتج به كثيراً الشافعي

قال الشافعي في الأم (2/90) :” فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ صَدَقَةِ مَالِهِ ضَأْنًا كَانَ، أَوْ مَاشِيَةً، أَوْ زَرْعًا، أَوْ زَكَاةَ فِطْرٍ، أَوْ خُمُسَ رِكَازٍ، أَوْ صَدَقَةَ مَعْدِنٍ، أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ عَوَامُّ الْمُسْلِمِينَ فَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ زَكَاةٌ، وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ وَقَسْمُهُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ كَمَا قَسَمَهُ اللَّهُ”

وقال أيضاً : ( 2/270) :” الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةٍ تُعْرِبُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي اجْتِمَاعِهِمْ أَنْ يَجْهَلُوا لِلَّهِ حَرَامًا وَلَا حَلَالًا إنَّمَا يُمْكِنُ فِي بَعْضِهِمْ، وَأَمَّا فِي عَامَّتِهِمْ فَلَا”

وكلامه في الرسالة كثير في هذا السياق فلماذا أحمد يخص ابن علية والأصم بالذكر ؟

الجواب : أن الإمام أحمد أراد الإجماعات المتعجلة التي يبنيها هذان من خلال النظر القاصر في خلاف أهل الكوفة من أهل الرأي ومالك لا الإجماعات التي يدعيها المحققون المحيطون والتي سيأتي أن أحمد نفسه منهم

قال شيخ الإسلام في إقامة الدليل على إبطال التحليل ص275 :

وفي مثل هذه المسائل قال الإمام أحمد: من ادعى الإجماع فهو كاذب فإنما هذه دعوى بشِرْ وابن علية يريدون أن يبطلوا السنن بذلك .

يعني الإمام أحمد رضي الله عنه أن المتكلمين في الفقه من أهل الكلام إذا ناظرتهم بالسنن والآثار قالوا: هذا خلاف الإجماع وذلك القول الذي يخالف ذلك الحديث لا يحفظونه إلا عن فقهاء المدينة وفقهاء الكوفة مثلاً فيدعون الإجماع من قلة معرفتهم بأقاويل العلماء واجترائهم على رد السنن بالآراء حتى كان بعضهم ترد عليه الأحاديث الصحيحة في خيار المجلس ونحوه من الأحكام والآثار فلا يجد معتصماً إلا أن يقول: هذا لم يقل به أحد من العلماء وهو لا يعرف إلا أن أبا حنيفة ومالكاً وأصحابهما لم يقولوا بذلك .اهــ

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/30) :

ونصوص رسول الله ﷺ أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده.

انتهى المراد نقله

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المسودة في أصول الفقه (1/316) :

(وإنما فقهاء المتكلمين كالمريسي والأصم يدعون الإجماع ولا يعرفون إلا قول أبي حنيفة ومالك ونحوهما، ولا يعلمون أقوال الصحابة والتابعين). انتهى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المسودة في أصول الفقه (1/316) :

(وإنما فقهاء المتكلمين كالمريسي والأصم يدعون الإجماع ولا يعرفون إلا قول أبي حنيفة ومالك ونحوهما، ولا يعلمون أقوال الصحابة والتابعين). انتهى

قال الشاطبي في (الاعتصام) عن كلمة الإمام أحمد تلك :

(( يعني أحمد أن المتكلمين في الفقه على أهل البدع إذا ناظرتهم بالسنن والآثار قالوا : هذا خلاف الإجماع ، وذلك القول الذي يخالف ذلك الحديث لا يحفظونه إلا عن بعض فقهاء المدينة أو فقهاء الكوفة مثلاً ، فيدعون الإجمَاعَ من قلة معرفتهم بأقاويل العلماء واجترائهم على رد السنن بالآراء )) .

قال ابن رجب في آخر ” شرح الترمذي ” :

وأما ما روي من قول الإمام أحمد : “من ادعى الإجماع فقد كذب فهو إنما قاله إنكارا على فقهاء المعتزلة الذين يدعون إجماع الناس على ما يقولونه , وكانوا اقل الناس معرفة بأقوال الصحابة والتابعين”

والآن لنسرد نصوص أحمد الدالة على اعتداده بالإجماع بل ونقله الإجماع

1_ قال الخلال في أحكم أهل الملل 76 – أَخْبَرَنِي محمد بن علي، قَالَ: حَدَّثَنَا صالح، وأخبرني محمد بن أبي هارون، أن إسحاق بن إبراهيم حدثهم، وأخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدثهم، وأخبرني محمد بن أبي هارون، أن مثنى بن جامع الأنباري حدثهم: وأخبرني محمد بن علي، أن مهنا بن يحيى حدثهم، وقد دخل كلام بعضهم في بعض، والمعنى واحد؛ سألوا أبا عبد الله، وسمعوه يقول: إذا أسلم أحد الأبوين ولهما أولاد صغار، ما لم يبلغوا، فهم مع المسلم منهما، يجبرون على ذلك حتى يسلموا.

وإن كانوا كبارا لم يجبروا لأن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فأبواه يهودانه وينصرانه» .

زاد أبو طالب: قلت: قد منع ولده أن يسلم، قَالَ: أجمع عليه الناس، وهو لا عليه، فإن أبى فارفعه إلى السلطان، فإنهم يجبرون على الإسلام.

فهنا أحمد ينقل الإجماع ويحتج به

2_ قال أبو داود في مسائله عن أحمد  سَمِعْتُ أَحْمَدَ،» سُئِلَ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: اقْرَأْ فِيمَا لَا يَجْهَرُ، قِيلَ لَهُ: فَفِيمَ يَجْهَرُ؟ قَالَ: لَا تَقْرَأْ، إِلَّا أَنْ تَبْتَدِرَهُ فَتَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ “.

سَمِعْتُ أَحْمَدَ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا قَالَ: قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ مَخْصُوصٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] ، فَقَالَ: عَمَّنْ يَقُولُ هَذَا؟ ! أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ.

3_ لما قال أبو ثور وهو مجتهد بحل نساء المجوس بالقياس شدد أحمد عليه النكير واحتج عليه بمخالفة الإجماع

قال الخلال في أحكام أهل الملل 451 – أَخْبَرَنَا أبو بكر المروذي، قَالَ: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عون، عن محمد، أن حذيفة تزوج مجوسية، فأنكره، وقال: الأخبار على خلافه، قلت لأبي عبد الله: ثبت عندك؟ قَالَ: لا.

فقلت: إن أبا ثور يحتج بأنهم من أهل الكتاب؟ قَالَ: وأي كتاب لهم؟ قلت: يحتج بقوله: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» .

فقال: ما اختلف أحد في نكاح المجوس، أو في ذبائحهم، قد اختلفوا في اليهود والنصارى، فأما المجوس فلم يختلفوا.

وأنكر أبو عبد الله نكاح المجوسيات إنكارا شديدا، وضعف ما جاء فيه

ولما أباح ذبائحهم نسبه إلى الابتداع صراحة

4_  نقل ابن قُدامة عن أحمد التصريح بذلك، قال: “سئل أبو عبد الله عن أطفال المسلمين فقال: ليس فيه اختلاف أنهم في الجنة”

وقد استنكر الإمام أحمد حديثاً لمخالفته هذا الإجماع

5_ قال ابن قدامة في المغني :” (1270) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا نَسِيَ صَلَاةَ حَضَرٍ، فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ، أَوْ صَلَاةَ سَفَرٍ، فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، صَلَّى فِي الْحَالَتَيْنِ صَلَاةَ حَضَرٍ) . نَصَّ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْأَثْرَمِ.

قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَمَّا الْمُقِيمُ إذَا ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ، فَذَاكَ بِالْإِجْمَاعِ يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَإِذَا نَسِيَهَا فِي السَّفَرِ، فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ”

6_ قال ابن قدامة في المغني :” قِيلَ لِأَحْمَدْ، – رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَيِّ حَدِيثٍ تَذْهَبُ، إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ قَالَ: بِالْإِجْمَاعِ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] . وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَتَعَيَّنَ الذِّكْرُ فِي جَمِيعِهَا. وَلِأَنَّهَا أَيَّامٌ يُرْمَى فِيهَا، فَكَانَ التَّكْبِيرُ فِيهَا كَيَوْمِ النَّحْرِ. وقَوْله تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] .”

7_ قال ابن قدامة في المغني :” (2851) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ ذَهَبٌ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَاصْطَرَفَا بِمَا فِي ذِمَّتِهِمَا، لَمْ يَصِحَّ، وَبِهَذَا قَالَ اللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ جَوَازَهُ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ الْحَاضِرَةَ كَالْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ؛ وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ.

وَلَنَا، أَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدِينٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا هُوَ إجْمَاعٌ.”

8_ سُئِلَ: الْقَيْحُ وَالدَّمُ عِنْدَكَ سَوَاءٌ؟ فَقَالَ: ” الدَّمُ لَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ فِيهِ، وَالْقَيْحُ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ “

9_ قال أبو يعلى الفراءولد 380هـ، قال في كتابه (العدة في أصول الفقه): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصبر إليها، وتحرم مخالفته.. وقد نصَّ أحمد –رحمه الله- على هذا في رواية عبدالله -ابنه- وأبي الحارث: “في الصحابة إذا اختلفوا لم يُخرج عن أقاويلهم، أرأيت إن أجمعوا: له أن يخرج من أقاويلهم؟! هذا قولٌ خبيث قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا”). انتهى

وقول الإمام أحمد هذا قد ذكره أيضاً الإمام ابن تيمية في “المسودة في أصول الفقه”، (ص282).

10_ قال صالح في مسائله عن أبيه 587- قرأت على أبي: أن بعض من يقول: إذا اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلي أن أقول غير أقاويلهم، ويحتج بحديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر في الأضراس: “في كل ضرس جمل، وفي الأسنان خمس خمس، وفي الأضراس بعير بعير. وقضى معاوية في السن بخمس (3)، وفي الأضراس [بخمس] (4). قال: سعيد لو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين، وفي الأسنان خمسًا خمسًا” (5)، فخالف ابن المسيب، عمر، ومعاوية؟

فقال أبي: إذا احتج بحديث سعيد بن المسيب، فقد احتج بقول رجل من التابعين، على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يرى في قول التابعين حجة.

ثم قال أبي: إذا قال: لي أن أخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا، كما خرج سعيد بن المسيب، وقال: لو كنت أنا لقضيت خلافهم. يقال له: تأخذ بقول التابعين؟ فإن قال: نعم. يقال له: تركت قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأخذت بقول التابعين، فإذا كان لك أن تترك قولهم إذا اختلفوا، كذلك أيضًا تترك قولهم إذا اجتمعوا، لأنك إذا اختلفوا لم تأخذ بقول واحد منهم، وحيث تقول ذلك فكذلك إذا اجتمعوا أن لا تأخذ بقولهم.

فأحمد ينكر على من يخرج على أقوال الصحابة ولو إلى قول تابعي

11_ قال الخلال في السنة 530 – وَأَخْبَرَنِي زُهَيْرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سُئِلَ أَبِي وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنْ مَنْ يُقَدِّمُ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ مُبْتَدِعٌ؟ قَالَ: «هَذَا أَهْلٌ أَنْ يُبَدَّعَ، أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِّمُوا عُثْمَانَ»

هنا يحتج باتفاق الصحابة

وهذا كثير في كلام الإمام أحمد وثمة مجموعة اعتراضات على الإجماع كلها باردة وضعيفة مثل دعواهم أن الإجماع لا يحتاج إلا في المعلوم من الدين بالاضطرار

وهذا سخف فالكثير جداً من المسائل لا تعلم بالاضطرار وعليها إجماعات مثل الإجماع على عدم الرد على الزوجين في المواريث وأن ميراث الجدة السدس وفسخ النكاح بالعيوب وعتق الرحم بمجرد ملك ذي الرحم له ونجاسة الدم وعدم وجوب تكبيرات العيدين والجنازة الزائدة ومسائل كثر لا تدخل في الحصر لا يعرفها إلا الفقهاء ويستفتي عنها العامة وفيها اتفاقات

وأما دعوى تعذر جمع كلام المجتهدين فهذه دعوى من لا يعرف الأئمة فالأئمة الفقهاء المجتهدون محصورون معروفون ورواة الحديث أكثر منهم بكثير وقد رأينا مصنفات جمعت تراجم كل رواة الحديث كتاريخ البخاري والجرح والتعديل ومن الأئمة من تكلم في كل الرواة وقيل فيه كل حديث لا يعرفه فلان فليس بحديث وجمع كلام الفقهاء المحصورين أيسر فهم مشهورون ومذاهبهم مدونة

ولو جوزنا أن يقول فقيه بقول صحيح ولا ينقله أحد وهو فقيه مجتهد مشهور لفتحنا باب التجويز أن يروي ثقة ثبت حديثاً مخصصاً لحديث عام ولا ينقله أحد

ثم يا ليت شعري فمن أين تصحح الأحاديث وتضعف أليس من كلام العلماء وبسهولة يمكنك إدراك إجماعهم على التوثيق أو التضعيف لأن كلامهم مجموع محصور وهم فئة معينة مشهود لها في الأمة

والأمر نفسه يقال في القراء أصحاب القراءات والنحويين وغيرهم فكلهم من غير الممتنع معرفة إجماعهم

وحتى كان الفقهاء المشهود لهم كمالك وسفيان والليث والأوزاعي وغيرهم يجمعون فقههم مع حديثهم ولا نشك أن كل حديثهم بلغنا وكذلك فقههم

فإن قيل : أفلا يجوز أن يوجد فقيه مغمور لا يعرفه أحد قال بقول مخالف لهم

فيقال : وكيف عرفت أن هذا الفقيه اجتمعت فيه شروط الاجتهاد وهو مغمور بل إن شذوذ الفقهاء ينقل بصورة أكبر من وفاقهم لما فيه من الغرابة

وبعضهم يقول الإجماع يدخل فيه حتى أهل البدع

ويقال سواء أهل السنة أو أهل البدعة كل واحد الطبقة السابقة له حجة عليه فإذا اتفق الصحابة لم يسق الاحتجاج بكلام تابعي

وأهل البدع هؤلاء هل تقبل روايتهم وحديثهم كالرافضة والزيدية والإباضية ومنهجهم الحديثي معروف

فإن قال : لا

قلنا : فكيف تحتج بهم إذن وأنت لا تقبل روايتهم على أنك لو أدخلتهم في الإجماع للزمك وفاقهم في الرجم والردة وغيرها وإذا كنت لا تأتمنهم في نقلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تأتمن سوى أهل الحديث فكيف تأتمنهم فيما ينقلون عن أئمتهم وشرط المجتهد العلم بالكتاب والسنة ومن ليس عنده منهج دقيق لتنقيح السنة كيف يحصل هذا ؟

وحقيقة عامة الاعتراضات على الإجماع هذه الأيام ناشئة عن جهل بالعلم ككل والله المستعان وعدم فهم للسلف وما كانوا عليه من الدين والتحري والفهم فيجوز الجاهل أن تضل القرون الأولى وهو يصيب الحق في مسألة تتابعوا فيها على الغلط والضلال

وحتى من يقول بالإجماع الظني من الأصوليين يقول أن هذا الإجماع إذا تعددت طبقاته بلغت القطعية

واعجب ممن يريد أن يعتد بالأزارقة في الإجماع وهو يؤمن بالسنة التي فيها أحاديث في ذم الخوارج !  والأزارقة جماهير الخوارج شاهدين عليهم بالضلال وبناء عليه يصير إسلام علي بن أبي طالب مسألة خلافية !

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم