الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال أبو يعلى في مسنده (6/105) حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا
عمرو بن الحارث ، أن أبا السمح حدثه ، عن ابن حجيرة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
” المؤمن في قبره في روضة ، ويرحب له قبره سبعين ذراعا ، وينور له
كالقمر ليلة البدر ، أترون فيما أنزلت هذه الآية : فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة
أعمى ، قال : أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : عذاب الكافر
في قبره ، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليهم تسعة وتسعون تنينا ، أتدرون ما التنين ؟
قال : تسعة وتسعون حية ، لكل حية سبعة رءوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ، ويخدشونه إلى
يوم القيامة”
قلت : هذا السند حسنه بعضهم إلى أن معلول بالضعف والمخالفة
أما الضعف فلحال أحمد بن عيسى المصري
قال أبو داود: كان بن معين يحلف أنه كذاب( تهذيب التهذيب (109) )
تأمل تلك اليمين التي أطلقها إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين على أنه
كذاب
وقد زعم البعض إن ابن معين لا يقصد الكذب بل يقصد الخطأ :
فأجبته عليه من وجوه
الأول :انه يلزم من قول المعترض أن يكون قصد ابن معين بقوله (( كذاب
))خطاء او كثير الخطأ وهذا جرحٌ مفسر يجعله (( صدوق كثير الخطأ)) وليس (( صدوق تكلم
فيه بغير حجة ))
الثاني :أن ابن معين لم يتفرد بهذا القول حتى يتم تأويله بما يوافق قول
الجمهور
فقدقال أبو زرعة :(( ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه وأشار إلى لسانه كأنه
يقول الكذب )) (تهذيب التهذيب (109))
ولاريب أن مثل أبي زرعة إنما ينقل عن الأئمة المعتبرين لا العامة
الثالث :أن وصف الراوي بأنه كثير الخطأ ليس بالأمر الجلل الذي يستدعي القسم
ولكن اتهامه بالكذب هو الأمر الخطير
الرابع :أن المعترض مطالب بذكر رواة قال فيهم ابن معين (( كذاب )) ولم
يكونوا بالكذبة وفرق بين (كذب فلان )أي أخطأ وبين ( فلان كذاب ) على وزن فعال وقد رأيت
ابن معين هذا اللفظة على جمع من الهلكى والمتروكين وإليك بعضهم
الأول زياد بن المنذر قال عنه ابن معين (( كذاب))
وقال النسائي وغيره (( متروك )) ( انظر تهذيب التهذيب (2/231) )
الثاني غيّاث بن إبراهيم قال عنه ابن معين((كذّاب، ليس بثقة، ولا مأمون
)) واتهمه ابن حبان بالوضع ( ميزان الإعتدال (3/337) )
الثالث موسى بن مطيرقال عنه ابن معين (( كذاب )) وقال النسائي (( متروك
الحديث )) ( ميزان الإعتدال (4/223) )
الرابع سيف بن محمدالثوري الكوفي قال عنه ابن معين (( كذاب )) وقال أحمد
(( كان يضع الحديث، لايكتب حديثه )) (ميزان الإعتدال (2/256_257)
أكتفي بهذا القدر
وأماقول الذهبي في ميزان الإعتدال (1/126) أنه ليس له مناكير فإن أبا حاتم
استنكر عليه الجمع بين ابن وهب والمفضل في الرواية( انظر تهذيب التهذيب )
والمسألة مرجعها للسبر وسبر ابن معين وأبو حاتم الرازي أولى بالتقديم على
سبر الذهبي وابن حجر ومن عرف حجة على من لم يعرف
وأماقول ابن حجر في هدي الساري (406) أن أبا زرعة أنكر على مسلم إخراجه
لحديث أحمد بن عيسى بلاحجة
ففيه نظر لأن مسلماً أذعن كما سيأتي لقول أبي زرعة وأبان انه لم يحتج باحمد
بن عيسى على وجه الإنفراد مما يدل على حجة أبي زرعة في تضعيف أحمد بن عيسى معتبرة عند
أهل الفن
وقال أبو حاتم: تكلم الناس فيه قيل لي بمصر أنه قدمها واشترى كتب بن وهب
وكتاب المفضل بن فضالة، ثم قدمت بغداد فسألت: هل يحدث عن المفضل؟فقالوا: نعم فأنكرت
ذلك وذلك أن الرواية عن بن وهب والرواية عن المفضل لايستويان
قلت:وفي هذا الرد على من زعم أن أحمد بن صالح ليس له مناكير
وقال سعيدبن عمرو البردعي: أنكر أبو زرعة على مسلم روايته عن أحمد بن عيسى
في الصحيح
قال لي: ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه وأشار إلى لسانه كأنه يقول الكذب
وقال النسائي: أحمد بن عيسى كان بالعسكر ليس به بأس( انظر هذا كله تهذيب
التهذيب (109) )
قال الخطيب في التاريخ (4/274)أخبرنا أبو بكر البرقاني حدثنا أبو الحسين
يعقوب بن موسى الأزدبيلي حدثنا أحمد بن طاهربن النجم الميانجي حدثنا سعيد بن عمرو البرذعي
قال شهدت أبا زرعة يعني الرازي ذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم بن الحجاج ثم الفضل
الصائغ على مثاله
فقال لي أبوزرعة هؤلاء قوم أرادوا
التقدم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتسوقون به ألفوا كتاباً لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم
رياسة قبل وقتها
وأتاه ذات يوم وأنا شاهد رجل بكتاب
الصحيح من رواية مسلم فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر فقال أبو زرعة ما أبعد
هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر
ثم رأى في كتابه قطن بن نسير فقال لي وهذا أطم من الأول قطن بن نسير وصل
أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس
ثم نظر فقال يروى عن أحمد بن عيسى المصري في كتابه الصحيح
قال لي أبو زرعة ما رأيت أهل مصر يشكون في أن أحمد بن عيسى وأشار أبو زرعة
إلى لسانه كأنه يقول الكذب
ثم قال لي تحدث عن أمثال هؤلاء
وتترك محمد بن عجلان ونظراءه
وتطرق لأهل البدع علينا فيجدوا السبيل بأن يقولوا للحديث إذا احتج به عليهم:
ليس هذا في كتاب الصحيح
ورأيته يذم من وضع هذا الكتاب ويؤنبه فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية
ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه وروايته في كتاب الصحيح عن أسباط بن نصر
وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى
فقال لي مسلم إنما قلت صحيح وإنما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد
رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية من هوأوثق
منهم بنزول فاقتصر على أولئك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات
وقدم مسلم بعد ذلك الري فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم
بن واره فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قاله لي أبو زرعة إن هذا تطرق
لأهل البدع علينا
فاعتذرإليه مسلم وقال إنما أخرجت
هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف
ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعاً عندي وعند من يكتبه
عني فلا يرتاب في صحتها ولم أقل أن ما سواه ضعيف أو نحو ذلك مما اعتذربه مسلم إلى محمد
بن مسلم فقبل عذره وحدثه.انتهى
قلت:هذا سند صحيح واعتذار مسلم عن روايته لأحمد بن صالح يدل على أنه ضعيف
عنده
ومن هنا تعلم أن تمشية النسائي لحديثه وتوثيق النحاس له لا يخلو من تساهل
وأما رواية البخاري له فقد أبان ابن حجر في هدي الساري (406) أن أحاديثه
كلها متابعات ، وهذا وإن كان دليلاً على أن البخاري يراه صالحاً للإعتبار غير أنه ليس
دليلاً على التوثيق
غير أن أحمد بن عيسى قد توبع عند ابن حبان من قبل حرملة بن يحيى
ولكن عمرو بن الحارث شيخ ابن وهب خالفه سعيد بن أبي أيوب وعمرو على تثبته له مناكير وسعيد أثبت
قال أحمد في مسنده 11352 ثنا أبو عبد الرحمن ثنا سعيد بن أبي أيوب قال
سمعت أبا السمح يقول سمعت أبا الهيثم يقول سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تلدغه حتى تقوم الساعة
فلو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضراء
قلت : وقد رواه أيضاً من هذا الطريق الدارمي 2815 وابن أبي شيبة 34187
وعبد بن حميد 929
وهذا هو الطريق المحفوظ وهو معلول لأن في رواية دراجاً عن أبي الهيثم كلام
وقال الآجري عن أبي داود أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم عن
أبي سعيد
وحكى ابن عدي عن أحمد بن حنبل أحاديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها
ضعف
وقد ضعفه مطلقاً جمعٌ وهم وأحمد وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وفضلك الرازي
واضطرابه في السند يجعل القلب مما لا يطمئن لتثبيت حديثه
وللحديث شاهدٌ عند الترمذي لا يفرح به
2648 : حدثنا محمد بن أحمد بن مدويه الترمذى حدثنا القاسم بن الحكم العرنى
حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافى عن عطية عن أبى سعيد قال دخل رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- مصلاه فرأى ناسا كأنهم يكتشرون قال
أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات
لشغلكم عما أرى فأكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم
فيه فيقول أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود. فإذا دفن
العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا أما إن كنت لأحب من يمشى على ظهرى إلى فإذ وليتك
اليوم وصرت إلى فسترى صنيعى بك. قال فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة. وإذا
دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشى
على ظهرى إلى فإذ وليتك اليوم وصرت إلى فسترى صنيعى بك. قال فيلتئم عليه حتى تلتقى
عليه وتختلف أضلاعه. قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصابعه فأدخل بعضها فى
جوف بعض قال « ويقيض الله له سبعين تنينا لو أن واحدا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت شيئا
ما بقيت الدنيا فينهشنه ويخدشنه حتى يفضى به إلى الحساب ». قال قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- « إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار »
قلت : عطية هو ابن سعد العوفي وهو ضعيف وروايته هذه تخالف متن الرواية
الأصل فإن الأصل فيها ( تسعة وتسعون تنيناً ) ورواية العوفي فيها ( سبعون تنيناً )
وهذا الإختلاف يمنع من الإعتضاد
وعليه فإن الحديث لا يثبت والله أعلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم