الكلام على آثار الصحابة في المنع من قراءة الجنب للقرآن

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذا بحث جمعت فيه بعض الآثار الواردة عن الصحابة في المنع من قراءة الجنب
للقرآن – وذلك يشمل ما كان بالمس أو بدونه –

وذلك لما لآثار الصحابة من الأثر في الترجيح الفقهي في المسائل التي لا
نجد نصاً صريحاً فيها – وقد وجدت أن الآثار عن الصحابة في هذه المسألة أقوى دلالةً
من غيرها –

1- أثر عمر بن الخطاب

قال ابن أبي شيبة (1/125) حدثنا حفص وأبو معاوية عن الاعمش عن شقيق عن
عبيدة عن عمر قال :

” لا يقرأ الجنب القرآن”

قلت : هذا السند ليس فيه ما يبحث إلا عنعنة الأعمش وقد أمنت لأنه يروي
عن شقيق بن سلمة وهو أبو وائل وعبيدة هو السلماني تابعي مخضرم

وقد رواه عبد الرزاق (1307) عن الثوري عن الأعمش به ولفظه :” يكره
قراءة القرآن للجنب “

 ولفظ النهي الصريح أقوى لأنه رواية
الأكثر وإن كان لا تعارض فالسلف يطلقون الكراهة ويريدون التحريم

وعليه فإن هذا الخبر عن عمر صحيح

2- أثر علي بن أبي طالب

قال أحمد (872) ثنا عائذ بن حبيب حدثني عامر بن السمط عن أبي الغريف قال
: أتى علي رضي الله عنه بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه وذراعيه
ثلاثا ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و
سلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية

وقد رواه عبد الرزاق (1306) عن الثوري عن الشعبي عن أبي الغريف به

وعليه فإن البحث ينحصر في أبي الغريف واسمه عبيد الله بن خليفة

قال أبو حاتم :” كان على شرطة على بن أبى طالب رضي الله عنه وليس
بالمشهور قلت هو أحب إليك أو الحارث الأعور قال الحارث اشهر وهذا قد تكلموا فيه وهو
شيخ من نظراء اصبغ بن نباتة “

وذكره ابن حبان في الثقات

واختار في التقريب أنه :” صدوق ” ويبدو أن اختيار هذا
مبني على أمرين

أولهما : على ما يقال في تشدد أبي حاتم

ثانيهما : اعتباره لذكر ابن حبان له في الثقات وكأن رأى أن ابن حبان يعرفه
ولم يورده إيراده للمجاهل فأبو الغريف معروف لذا ترجم له ابن سعد في الطبقات

ولعل رواية الشعبي عنه تقوي من شأنه لقول ابن معين :” إذا روى الشعبي
عن شيخ فسماه فهو ثقة “

وعليه يكون الأثر متأرجحاً بين التضعيف والتحسين – لمن اختار اختيار بن حجر

والذي أميل إليه تحسين حديثه فقد وثقه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ
والدارقطني كما في سؤالات السلمي ووثقه ضمناً في سننه – خصوصاً أنه موقوف –

3- أثر ابن مسعود

قال ابن أبي شيبة (1/125) حدثنا غندر عن شعبة عن حماد عن إبراهيم أن ابن
مسعود :

كان يمشي نحو الفرات وهو يقرئ رجلا فبال ابن مسعود فكف الرجل عنه فقال
ابن مسعود ما لك قال إنك بلت فقال ابن مسعود إني لست بجنب.

قلت : حماد بن أبي سليمان تكلموا فيه غير أن الإمام أحمد قال :” قال
أحمد مقارب ما روى عنه القدماء سفيان وشعبة “

وروايته هذه من حديث شعبة عنه لذا ينبغي تمشيتها

وإبراهيم النخعي لم يسمع من ابن مسعود غير أن المحققين يمشون مراسيله عن
ابن مسعود

لقوله :”إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت وإذا قلت قال
عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله “

ومعلوم أن النخعي كثير الأخذ عن خاله الأسود بن يزيد وعلقمة وكلامهما من
خاصة تلاميذ ابن مسعود

وعليه فالأثر ثابت

والآن نتكلم على دلالة هذه الآثار فنقول لو قال هؤلاء الصحابة بهذا القول
بالرأي فما مدخل القياس هنا _ وهم من أساطين فقهاء الصحابة _

هل يقال : أن مذهبهم أن الجنب لا يجوز له مس المصحف وعليه فلا يجوز له
القرآءة أيضاً ؟

وهذا فيه بعد ، لأن المس وردت فيه نصوص خاصة وأما مجرد القراءة فليس فيه
نصٌ مخصوص

وأما أن يقال أنهم رأوا أن ذلك من تمام تعظيم القرآن – وهم أشد الناس تعظيماً
لكلام الله ، ولكن مثل هذا لا يكون فيه ذلك التشديد إذ أن القول بعدم قراءة القرآن
للجنب فيه مشقة لا تثبت بمجرد الإستحسان

وأما أن يقال أن هذا نشأ عن توقيف وهذا التوارد منهم يقوي هذا الإحتمال

وقد جاء عن ابن عباس ما يرفد هذه الآثار في الجملة

قال ابن حجر  في تغليق التعليق (1/136) :

” وأما قول ابن عباس فقال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا الثقفي عن
خالد عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يقرأ الجنب الآية والآيتين

 قرأت على فاطمة بنت محمد الهادي
أخبركم أبو نصر بن الشيرازي في كتابه عن شيخ الإسلام أبي حفص السهروردي أنا أبو زرعة
المقدسي أنا عبدوس بن عبد الله أنا أبو بكر الطوسي ثنا أبو العباس الأصم ثنا أبو عتبة
ثنا بقية ثنا شعيب عن الزهري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن مكمل أنه سمع ابن عباس يقول
لا بأس أن يقرأ الجنب الآية ونحوها “

قلت : فرخص ابن عباس بقراءة الآية والآيتين فقط ومفهوم ذلك ما كان أكثر
من آيتين لا يجوز فإن ابن عباس أعمل قاعدة ( النادر لا حكم له ) ويروى عن ابن عباس
قول آخر في المسألة

وهو ما روى ابن المنذر في الأوسط 601 : حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا زياد
بن أيوب ، ثنا أبو عبيدة ، ثنا عبيد بن عبيدة ، من بني عباب الناجي قال :

 قرأ ابن عباس شيئا من القرآن وهو
جنب

فقيل له في ذلك فقال : ما في جوفي أكثر من ذلك

قلت : عبيد بن عبيدة هذا بالكاد يعرف فلم يعرفه الهيثمي كما في مجمع الزوائد
وقد وثقه الدارقطني في العلل (11/296)

غير أنه لم يدرك ابن عباس قطعاً فهو يروي عن سفيان بواسطة كما عند الدارقطني
في العلل (11/296) إن كان هو صاحبنا وإن لم يكن فلم أتمكن من معرفته

وقد روى ابن المنذر هذا الخبر من طريق أخرى

قال 603 : وحدثونا عن محمود بن آدم ، ثنا الفضل بن موسى ، ثنا الحسين يعني
ابن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ ورده وهو جنب

قلت : وليس في هذا السند ما ينظر فيه إلا الحسين بن واقد وهو صدوق وقد
قالوا أن له مناكير وربما استنكر مستنكر هذا الخبر عليه لورود خلافه عن ابن عباس من
طريق عكرمة

وأما الإبهام في أول السند فلا يضر على التحقيق ولذا صحح ابن حجر السند
في التغليق وتحسين السند أقرب من تصحيحه _ وهذه مسألة يطول بحثها _

وعليه فلا يوجد في الصحابة أحدٌ أباح قراءة القرآن للجنب مطلقاً _ إلا
ما جاء عن ابن عباس وقد جاء عنه خلافه _ والله أعلم

وأما خبر أبي مجلز عنه ففي القلب منه شيء بسبب أن الراوي عنه يخطيء وأن من الأئمة من طعن في سماع أبي مجلز من ابن عباس 

تنبيه مهم : استفدت ألفاظ الآثار وأماكن وجودها من رسالة الشيخ فيحان بن
شالي المطيري ( الطهارة لقراءة القرآن والطواف بالبيت الحرام )

ثم وقفت على الطرق عن طريق الموسوعة الشاملة

وهنا إضافة :

إضافة

في علل الحديث لابن أبي حاتم 116 : وسمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش
، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لا
يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن .

فقال أبي: هذا خطأ؛ إنما هو عن ابن عمر قوله.

ولا أدري هل يفيد هذا ثبوته عنه أم مجرد روايته.

وفي شرح معاني الآثار للطحاوي 579 : حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال:
ثنا حماد، عن عاصم الأحول، عن عزرة، عن سلمان أنه أحدث فجعل يقرأ. فقيل له: أتقرأ وقد
أحدثت؟

 قال: نعم , إني لست بجنب

وهذا مرسل.

قال البيهقي في الكبرى 417 : ويذكر عن ابن عباس أنه قال: ” لا بأس
أن يقرأ الجنب الآية ونحوها، وروي عنه أنه قال: ” الآية والآيتين ” ومن خالفه
أكثر، وفيهم إمامان، ومعهم ظاهر الخبر.

لعله يقصد بظاهر الخبر حديث عبد الله بن سلمة عن علي المرفوع أو حديث عبد
الله بن مالك الغافقي اللذان أوردهما في الباب لكن لا يصحان.

وقال ابن المنذر في الأوسط 621 : أخبرنا ابن عبد الحكم، أنا ابن وهب، أخبرني
ابن لهيعة، عن أبي الزبير، أنه سأل جابرا عن المرأة الحائض، والنفساء، هل تقرأ شيئا
من القرآن؟ فقال جابر: لا.

وهذا صحيح على مذهب من يصحح حديث ابن لهيعة من طريق العبادلة. والصواب
أنه ضعيف ومدلس ورواية العبادلة عنه أفضل من غيرها لا أنها صحيحة بذاتها

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم