الرد على عبد الكريم الخضير في قوله ( على كل حال الكلام في الأشخاص أنا لا أرتضيه إطلاقاً )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الدكتور عبد الكريم الخضير في شرحه على عقيدة السفاريني :

” هذا يسأل عن شخص من أهل العلم بعينه ويطلب رأيي فيه، وكذا؟

أنا جرت عادتي ألا أتكلم في الأشخاص مهما كان، إلا إنسان يخشى من بدعته،
ولا يكفي في ذلك التلميح، والتعريض، ويتعين حينئذ التصريح يصرح به، أما بالنسبة لغير
هذا النوع فأنا لا أتكلم فيه؛ لأن الأهواء الآن هي التي تقود الناس، مهما تكلمت في
شخص يقتنع به آخر، يقتنع به فئة، ويعارضهم آخرون، لن يقبل منك، المسألة محسومة ومنتهية،
الناس لهم قدوات، ولهم رموز اقتنعوا بهم لن تغير قناعاتهم، على كل حال الكلام في الأشخاص
أنا لا أرتضيه إطلاقاً”

أقول : هذا كلام متناقض عجيب فهو يقول (إلا إنسان يخشى من بدعته) وهذا
جيد

ثم قال (على كل حال الكلام في الأشخاص أنا لا أرتضيه إطلاقاً) وهذا ينقض
الأول

وتعليله ترك الكلام في الناس بأن سيخرج من يتعصب لهذا المتكلم فيه ولا
يقبل الكلام فيه تعليل عليل من وجوه

أولها : أن هذا التعليل ينطبق على جميع أهل البدع فلا يوجد مبتدع اليوم
إلا وله أتباع وله من يتعصب له فتعليله بهذه العلة ينقض قوله (إلا إنسان يخشى من بدعته
)

بل المنكرات نفسها التي تتعلق بأشخاص إذا نهيت فلن يستجيب لك كل الناس
وهناك من سيتعصب

بل إنك إذا رددت على سني خطأه بكل أدب ، مع تنصيصك على سنيته ، فليس عندك
ضمان أن كل الناس سيأخذون بردك ، وأنه لن يوجد من يتعصب له

أفنترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتقويم أخطاء الناس من أجل هذا
التعليل ؟!

ثانيها : أن قوله أن الناس لا يقبلون كقول القائل ( هلك الناس ) وإلا فكما
أن هناك أناساً يتعصبون للمتكلم فيه ، فهناك من يقبل الكلام والرد العلمي ، وليس علينا
هدى الناس

قال الله تعالى (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا
اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى
رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب (لَأَنْ يُهْدَى بِكَ
رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )

وقد قال الله عز وجل ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) ولم يستدل أحد
بهذه الآية على ترك دعوة الناس للإسلام بل بقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يدعون
الناس إلى الإسلام حتى الموت

ثالثها : قال أبو داود في سننه 5153 : حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ثنا
سليمان بن حيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال

:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو جاره فقال ” اذهب فاصبر
” فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال ” اذهب فاطرح متاعك في الطريق ” فطرح متاعه
في الطريق فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل وفعل
فجاءه إليه جاره فقال له ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه

أقول : فهذا الرجل تكلم الصحابة فيه من أجل أذيته لجاره ، ولا شك أن الكلام
في الدين بغير علم وإن صدر من سني أصلاً ، فإنه أشد من أذية الجار

فلا يقال بعد ذلك ( نحن ضد الكلام في الأشخاص مطلقاً )

قال أبو داود في سننه 3628 : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عبد الله
بن المبارك عن وبر بن أبي دليلة عن محمد بن ميمون عن عمرو بن الشريد عن أبيه

: عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :

 لي الواجد يحل عرضه وعقوبته .

فإذا كان هذا الفعل ( وهو المماطلة ) يبيح عرض المرء المسلم ، فكيف بكلامه
في الدين بغير الحق ، وابتداعه في الدين

قال ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين (1/19) :” أجمع الجمع على
أن الشاهدين لو شهدا عند الحاكم على شئ من حطام هذه الدنيا، ولم يعرفها الحاكم بعدالة
أن عليه أن يسأل المعدل عنهما، فإن كتم المعدل عيبا أو جرحا علمه فيهما (4) أثم بل
الواجب عليه أن يخبر الحاكم بما يعلم عنهما من الجرح أو التعديل، حتى يحكم الحاكم بما
يصح عنده، فإذا كان ذلك جائزا لاجل التافه من حطام هذه الدنيا الفانية كان ذلك عند
ذب الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أولى وأحرى، فان الشاهد إذا كذب في شهادته
لا يتعداه كذبه، والكاذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحل الحرم ويحرم الحلال
ويتبؤأ مقعده من النار. (وكيف) لا يجوز القدح (فيمن) (6) تبوأ مقعده من النار بفعل
فعله”

فلو قال مسلم ( أنا لا أرى جرح الشهود مطلقاً ) ألا يكون جانياً جنايةً
عظيمة على مصالح المسلمين قاضياً بأن تصير الحقوق إلى غير أصحابها

فكذلك قول الدكتور ( لا أرى الكلام في الأشخاص مطلقاً ) يقضي بهذا

ولو قال قائل ( أنا أرى جرح الشهود في الدماء دون الأموال ) لقلنا له هذا
تحكم محدث لا يجوز ، وفيه جناية على حقوق الناس

وكذلك تقسيم الدكتور تحكمٌ محدث

رابعها : قد جرى هدي السلف على الكلام في الرواة وأهل البدع ، والأمر ينبغي
أن يزيد في زماننا لأن أهل البدع كثروا جداً لا أن يغلق الباب

وقد كان السلف أورع الناس وأبعدهم عما فيه ريبة أو لا مصلحة فيه

بل كانوا يتكلمون في بعض أهل السنة ، إذا كان حديثهم ضعيفاً أو كلامهم
في الفقه فيه نظر

قال ابن الهادي في بحر الدم :” قال إبراهيم الحربي: سألت أحمد بن
حنبل عن مالك، فقال: حديث صحيح ورأي ضعيف، قلت: والاوزاعي؟ قال: حديث ضعيف، ورأي ضعيف،
يعني أنه يحتج بالمقاطيع.

قلت: فالشافعي؟ قال: حديث صحيح ورأي صحيح.

قلت: فآخر؟ قال: لا حديث ولا رأي”

ونقل ابن حجر في التهذيب عن ابن معين أنه قال في نعيم بن حماد :”
ليس فى الحديث بشىء ، و لكنه كان صاحب سنة”

و قد قال فيه الدارقطنى : “إمام فى السنة ، كثير الوهم “

وأما أمرهم مع أهل البدع فواضح بين

قال العقيلي في الضعفاء 4303- حَدثنا مُحمد بن مُوسَى، قال: حَدثنا عَباس
بن أَبي طالب، قال: حَدثنا مُوسَى بن إِسماعيل، قال: سمعتُ حَزمًا يقول: سمعت عاصِمًا
الأَحول، قال: كان قَتادة يَذكُر عَمرَو بن عُبَيد، ويَقَع فيه، قال: فَجَثَوت على
رُكبَتَي، فَقلتُ: يا أَبا الخَطاب، وإِذا الفُقَهاء يَقَع بَعضُها في بَعض، فقال:
يا أَحولُ، رَجُل ابتَدَع بِدعَةً, فَنَذكُر بِدعَتَه خَير مِن أَن نَكُف عنها

وآثار كثيرة جداً في الباب

خامسها : أنه لا ينبغي التساهل في صغار البدع ، فإن ذلك يؤدي إلى استحالتها
كباراً

فأصحاب الحلق الذين أنكر عليهم ابن مسعود انتهى بهم الأمر إلى القول برأي
الخوارج

قال ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 290) حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا سفيان
عن سعيد الجريري عن أبي عثمان قال: كتب عامل لعمر بن الخطاب إليه ان ههنا قوما يجتمعون
فيدعون للمسلمين وللامير، فكتب إليه عمر: أقبل وأقبل بهم معك، فاقبل، وقال عمر للبواب:
أعدلي سوطا، فلما دخلوا على عمر أقبل على أميرهم ضربا بالسوط، فقال: يا عمر! إنا لسنا
أولئك الذين – يعني أولئك قوم يأتون من قبل المشرق”

قلت: فانظر كيف ظن عمر بهؤلاء الذين وقعوا ببدعةٍ عملية أنهم بذرةٌ للخوارج

ومن هذا استفاد البربهاري قوله في السنة ص23:” واحذر صغار المحدثات
فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا

وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك
من دخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت ديناً يدان به “

قال شيخ الإسلام كما في مجموغ الفتاوى (8/425) :” فَالْبِدَعُ تَكُونُ
فِي أَوَّلِهَا شِبْرًا ثُمَّ تَكْثُرُ فِي الِاتِّبَاعِ حَتَّى تَصِيرَ أَذْرُعًا
وَأَمْيَالًا وَفَرَاسِخَ”

سادسها : قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (24/ 172) :” نَعَمْ
مَنْ خَالَفَ الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَالسُّنَّةَ الْمُسْتَفِيضَةَ أَوْ مَا أَجْمَعَ
عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ خِلَافًا لَا يُعْذَرُ فِيهِ فَهَذَا يُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ
بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ”

ومما يعامل به أهل البدع إشهار الرد عليهم وتسميتهم بأسمائهم

وهذا الكلام الذي قرره الدكتور واضح جداً في مسلكه الذي يسير عليه ، فلا
تكاد ترى له كلاماً في أحد من المعاصرين البتة ، وليس هذا مسلك السلف بل كان السلف
ينصحون للناس ويبينون للمخطيء خطأه فإذا أصر حكموا عليه بما يستحق

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم