الرد على صالح المغامسي في مسألة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن للمغامسي مقطعاً يذهب فيه إلى التوقف في مسألة أبوي النبي صلى الله
عليه وسلم ، ويقول أن هذا هو الحق، هذا هو أبطل الباطل إذ أنه رد صريح لأحاديث النبي
صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة

وتوقير النبي لا يكون بتكذيبه ورد خبره عليه.

 قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

والاتباع يكون الإيمان بالخبر والتسليم للأمر والعمل به ، وما سوى ذلك
فليس بمحبة، والآن مع الأحاديث الواردة في أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار:

(1) قال مسلم في صحيحه 2218- [105-976] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ يَزِيدَ ، يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ
أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي.

قال النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 402) :” فِيهِ جَوَاز زِيَارَة الْمُشْرِكِينَ
فِي الْحَيَاة ، وَقُبُورهمْ بَعْد الْوَفَاة ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ زِيَارَتهمْ
بَعْد الْوَفَاة فَفِي الْحَيَاة أَوْلَى ، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ﴿وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾، وَفِيهِ : النَّهْي عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ”.

وكذا قال القاضي عياض في شرحه على صحيح مسلم، وهذا الحديث اتفق الأئمة
على تصحيحه وما رأيت أحداً تكلم فيه ، وعند جمهور المتكلمين الحديث المتفق عليه يفيد
القطع فكيف بأهل السنة.

 قال شيخ الإسلام في الأجوبة على
الاعتراضات ص43 :” القسم الثاني من الأخبار ما لم يَروِه إلّا الواحد العدلُ ونحوُه،
ولم يتواتر لا لفظُه ولا معناهُ، ولكن تلقَّتْه الأمةُ بالقبول عملًا به أو تصديقًا
له، كخبر أبي هريرة: «لا تُنكَحُ المرأةُ على عمتها ولا على خالتها». فهذا يُفيد العلم
اليقيني أيضًا عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين. أما السلف
فلم يكن بينهم في ذلك نزاعٌ، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة
الأربعة”

ومع صحة هذا الحديث ووروده في صحيح مسلم ضاق صدر السيوطي به فلم يورده
في جامعه الصغير ، الذي أورد فيه العديد من الأخبار الموضوعة التي جمعها الصوفي الشيعي
أحمد الغماري في كتابه (المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير) !

وقد ضاق صدر السيوطي بحديث (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي
الْيَقَظَةِ ، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ ، لاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ
بِي) لأنه يخالف مذهبه في الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يرى يقظة الآن ! ، فلم
يذكره في جامعه الصغير !

(2) قال مسلم في صحيحه 420- [347-203] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ
، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ
: فِي النَّارِ ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ.

وهذا حديث ثابت باتفاق أهل العلم:

قال المعلقون على مسند أحمد :” رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد
-وهو ابن سلمة- فمن رجال مسلم، وقد تفرد برواية هذا الحديث بهذا اللفظ، وخالفه معمر
عن ثابت -فيما قاله السيوطي في رسالته” مسالك الحنفا في والدي المصطفى” المدرجة
في = “الحاوي” 2/402، 444 -فلم يذكر “إن أبي وأباك في النار” ،
ولكن قال له: “إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار” ، ومعمر أثبت من حيث الرواية
من حماد بن سلمة، فإن حمادا تكلم في حفظه، ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه ابن
أبي العوجاء دسها في كتبه، فحدث بها فوهم فيها، أو أنه تصرف فرواه في المعنى، وأما
معمر فلم يُتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه. قلنا: ورواية معمر هذه التي أشار
إليها السيوطي لم تقع لنا، لكن ورد من حديث سعد بن أبي وقاص وابن عمر بإسنادين صحيحين
بمثل لفظ رواية معمر، وسيأتي تخريجهما فيما بعد. قال السيوطي: فعُلم أن هذا اللفظ الأول
(وهو لفظ رواية حماد) من تصرُف الراوي، رواه بالمعنى على حسب فهمه، وقد وقع في
“الصحيحين” روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظ تصرف فيه الراوي، وغيره أثبت
منه”.

أقول : ألا لعنة الله على الكاذبين، حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت ولم
يستنكروا عليه شيئاً عن ثابت، وقد نقل مسلم الإجماع على هذا

قال مسلم في التمييز ص51 :” والدليل على ما بينا من هذا اجتماع أهل
الحديث، ومن علمائهم، على أن أثبت الناس في ثابت البناني، حماد بن سلمة”، وأما
رواية معمر عن ثابت فهي ضعيفة عند العامة من أهل الفن، قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين
قال :” إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه
عنهما مستقيم ، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا”، وثابت عراقي، بل قال ابن معين
: “معمر عن ثابت ضعيف”.

وقال الحافظ في ابن حجر في هدي الساري (1/377) : “معمر بن راشد صاحب
الزهري كان من أثبت الناس فيه قال بن معين وغيره ثقة إلا أنه حدث من حفظه بالبصرة بأحاديث
غلط فيها قاله أبو حاتم وغيره وقال العلائي عن يحيى بن معين حديث معمر عن ثابت البناني
ضعيف وقال بن أبي خيثمة عن بن معين إذا حدثك معمر عن الزهري وابن طاوس فحديثه مستقيم
وما عمل في حديث الأعمش شيئا وإذا حدث عن العراقيين خالفه أهل الكوفة وأهل البصرة وقال
عمرو بن علي كان معمر من أصدق الناس وقال النسائي ثقة مأمون قلت أخرج له البخاري من
روايته عن الزهري وابن طاوس وهمام بن منبه ويحيى بن أبي كثير وهشام بن عروة وأيوب وثمامة
بن أنس وعبد الكريم الجزري وغيرهم ولم يخرج له من روايته عن قتادة ولا ثابت البناني
إلا تعليقا ولا من روايته عن الأعمش شيئاً ولم يخرج له من رواية أهل البصرة عنه إلا
ما توبعوا عليه عنه واحتج به الأئمة كلهم”.

وأما الإمام مسلم فلم يخرج من روايته عن قتادة إلا ما كان متابعةً فقد
خرج له ثلاث أحاديث من هذا الضرب ( انظر الأحاديث (933) ، (1776) ، (7255).

وأما روايته عن ثابت فهي كذلك فقد خرج له حديثين وهما الحديث رقم (
393) ، وقد تابعه عليه حماد بن سلمة ، والحديث رقم (5448) ، وقد تابعه عليه سليمان
بن المغيرة، والمعلقون على المسند يعلمون هذا ولكنهم تغابوا وقلدوا السيوطي ، وقد حكيت
لك من حال السيوطي طرفاً، وهم قد ساروا في تحقيقهم للمسند على تصحيح أحاديث حماد بن
سلمة غير ثابت ، فكيف بروايته عن ثابت وهنا تعنتوا للهوى،

 ولا أجد أحسن من كلام السيوطي
نفسه في الذب عن حماد بن سلمة.

قال السيوطي في اللآليء المصنوعة (1/31) :

“هذا الحديث صحيح رواه خلق عن حماد وأخرجه الأئمة من طرق عنه وصححوه

فأخرجه أحمد في مسنده من طريق معاذ بن معاذ العنبري عن حماد ومن طريق روح
عنه

وأخرجه الترمذي من طريق سليمان بن حرب عن حماد وقال حسن صحيح غريب

وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة من طريق أسد بن موسى وحجاج بن المنهال كلاهما
عن حماد

وأخرجه ابن مردويه في التفسير من طريق مسلم بن إبراهيم عن حماد

وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عفان بن مسلم وسليمان بن حرب كلاهما
عن حماد

وأخرجه البيهقي في كتاب الرؤية من طريق سليمان بن حرب ومن طريق محمد بن
كثير عن حماد وأخرجه الضياء المقدسي في المختار وصححه وقد ذكر الزركشي في تخريج الرافعي
أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم وإنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان وقال ابن
طاهر في تذكرة الحفاظ أورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة حماد بن سلمة ولعله أشار إلى
تفرده به وحماد إمام ثقة”.

سبحان الله أين كان هذا التحقيق لما صنف (الوفا)، والصوفية أنفسهم يحتجون
بعدة أخبار رواها حماد بن سلمة:

(أ) عن أنس قال:كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويرقصون ويقولون محمد عبد صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقولون قالوا
يقولون محمد عبد صالح.

قلت : هذا الحديث يحتج به المتصوفة على جواز الرقص ، وهو عند أحمد من طريق
حماد عن ثابت عن أنس !! وليس له طريق غير هذا !!

فانظر -رحمني الله وإياك- كيف أنهم يضعفون حديثه في أبوي النبي صلى الله
عليه وسلم وبعض أحاديثه في الصفات فلما وافق حديثه هواهم احتجوا به ! فيلزمهم أحد أمرين
إما تضعيف هذا الحديث مع تلك الأحاديث ، أو تصحيحها جميعاً ، وأما صنيع المتصوفة فهو
لعب تنفر منه الفطر السليمة، وليس في هذا الحديث حجة للمتصوفة إذ أن رقص الأحباش راجعٌ
إلى ما ألفوه وأن هذا الأمر لا يخرم المروءة عندهم وأما بقية الصحابة فلم يقع ذلك منهم.

كما أن رقص الأحباش ليس فيه تكسر المخنثين ، ولم يصنعوه في المساجد مصحوباً
بالدفوف والغناء فإن هذا صنيع مخانيث الرجال لا عبادهم.

(ب) عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً أعمى أتى النبي e فقال: إني أصبت في بصري، فادع الله لي. قال:
“اذهب فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة،
يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري، اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد
بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك”. فرد الله عليه بصره.

قلت : الزيادة الأخيرة هي موطن احتجاج المتصوفة بهذا الخبر إذ أنهم يحتجون
بها على أن هذا النوع من التوسل غير منقطع، وهذه الزيادة انفرد بها حماد بن سلمة عن
أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف -كما في تاريخ ابن أبي خيثمة على
ما أفاد شيخ الإسلام في قاعدة جليلة-، وقد خالفه شعبة بن الحجاج فروى هذا الحديث دون
هذه الزيادة وحديثه عند أحمد (4/138)، وقد روى هذا الحديث هشام الدستوائي وروح بن القاسم
ولم يذكروا هذه الزيادة أيضاً، وحماد بن سلمة نفسه قد روى هذا الحديث عنه جمع ولم يذكروا
هذه الزيادة.

فقد روى النسائي في السنن الكبرى ( 9171) هذا الحديث من طريق محمد بن معمر
(وهو ثقة روى عن أبو داود والنسائي ) قال حدثنا حبان ( هو ابن هلال ثقة حافظ ) قال
حدثنا حماد أخبرنا أبو جعفر فذكره وفي آخره، ((اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي)).

قلت : و قد تابع مؤمل بن إسماعيل حبان بن هلان عند أحمد في المسند
(4/138) وروايته نحو من رواية شعبة، وجميعهم لم يذكروا هذه الزيادة، ومع ذلك فقد صحح
عبد الله الغماري هذه الزيادة في رسالته التي صنفها في تصحيح حديث الأعمى، فانظر -رحمني
الله وإياك- إلى تناقض الصوفية كيف ردوا رواية حماد بن سلمة عن أخص شيوخه وهو ثابت
بن أسلم.

ثم قبلوا زيادةً انفرد بها من دون الأكثر والأوثق عن شيخٍ لم يعرف بملازمته
-وقد علمت ما في رواية حماد عن غير ثابت- ولم يذكرها معظم تلاميذه، ومعلوم أن باب القبول
في الزيادات أضيق منه في الانفرادات، وهذا الحديث (إن أبي وأباك في النار) أيضاً اجتنه
السيوطي في جامعه الصغير.

(3) قال أحمد في مسنده 16189 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ
عَمِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أُمِّي؟ قَالَ: «أُمُّكَ فِي
النَّارِ» قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟ قَالَ: «أَمَا تَرْضَى
أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي» قَالَ أَبِي: ” الصَّوَابُ: حُدُسٌ”،
وهذا إسناد حسن.

قال الجوزقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح المشاهير :” هَذَا حَدِيثٌ
مَشْهُورٌ، وَوَكِيعٌ هَذَا كُنْيَتُهُ أَبُو مُصْعَبٍ، وَهُوَ صَدُوقٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ،
وَيَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ طَائِفِيٌّ، نَزَلَ وَاسِطَ، وَمَاتَ بِهَا، قَالَ يَحْيَى
بْنُ مَعِينٍ: هُوَ ثِقَةٌ”، وقد صحح لوكيع بن حدس كل من الترمذي والطبري وابن
خزيمة وابن حبان، وقال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار : فهذه الأحاديث قطعية الثبوت
تلقاها المحدثون بالقبول ، ولم يضعفها أحد من أئمة الفن ، ولا يجوز معارضتها بخبر باطل
في أن الله عز وجل أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وأسلما فهذا باطل لم يخرجه أحد
من الأئمة المعتبرين ، وهو منكر المتن إذ أن الأخبار لا تنسخ، ويقارن كلمة المغامسي
بالسوء كلمة محمد بن ناصر العجمي ونظام يعقوبي في تعليقهما على المعجم المختص ص199
:” هذا من المؤلف -رحمه الله- اجتهاد في المسألة ، وهي مثار بحث طويل وجدال علمي
، الأولى تركه وعدم الاشتغال به”.

وهذا كلمة خبيثة بل الواجب اعتقاد الأحاديث الصحيحة لا ترك اعتقادها كما
يدعو إليه هؤلاء ، بل الأولى ترك تحقيق هذه الكتب الملأى بالخرافات والشركيات ، ومن
السخف زعمهم في مقدمة الكتاب أن الزبيدي سلفي المعتقد، ومع ذلك أقروا في الكتاب أن
الزبيدي قال بشركيات كثيرة في باب توحيد الألوهية وعظم أصحاب وحدة الوجود، أليس توحيد
الألوهية من العقيدة ؟! وتراهم يقولون ( سامحه الله لما أورد هذا ) وكلمات نحوها في
عبارات من الشرك الصريح أوردها الزبيدي في كتابه هذا ، وليس من منهج أهل السنة إذا
رأوا شخصاً على الشرك أن يقولوا (سامحه الله)، والله عز وجل يقول : (إن الله لا يغفر
أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، ولعل مدافعاً عن المغامسي سيأتي بكلام محمد الأمين الشنقيطي ، وكلام  عبد الحميد بن باديس..

وأقول : الأخطاء لا تبرر الأخطاء ورد الأحاديث الواردة في المسألة قول
باطل وإن قال به من قال.

 ودعوى البعض في دفاعه عن 
ابن باديس أنه لا يرى تخصيص عموم القرآن بالسنة .

 وأن هذا هو قول جماعة من الأصوليين،
فهذا القول باطل .

 فالقول بعدم تخصيص السنة للقرآن
هو قول أهل البدع ولم يقل به لا أهل الرأي ولا أهل الحديث.

 فالكل قد خصصوا آيات المواريث
على عمومها ، بأحاديث عدم توريث الكافر للمسلم وأحاديث عدم توريث الرقيق.

 والكل قد خصصوا قوله تعالى :
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ
مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾، وقوله تعالى:
﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾، بأحاديث تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ،
والمرأة وخالتها، وخصصوا قوله تعالى : ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا
جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، بالأحاديث
الواردة في نصاب السرقة ، ومقدار القطع، والأمثلة في ذلك كثيرة جداً بسطها الشافعي
في مقدمة الرسالة، وكثير من كتب الأصول عليها مأخذان في مثل هذه المسائل:

الأول: أنهم يحكون مسائل فيها خلاف في العقيدة كأنها مسائل فقهية اجتهادية.

الثاني : أنهم يستفيدون مذهب الإمام من تخريج هم يفهمونه في مسألة ما ،
وربما ناقضها في مسألة أخرى ، وانظر على سبيل المثال ما كتبه الزركشي حول موقف الشافعي
من القراءة الشاذة في البحر المحيط .

 وكلام ابن القيم في إعلام الموقعين
حول موقف الشافعي من حجية قول الصحابي.

 والقول بأن السنة لا تخصص القرآن
قول خطير يفتح الباب لأهل البدع على مصراعيه ولا يقول به فقيه قط.

 ولا ينبغي أن نشكك في الثوابت
من أجل شخص رجل نعظمه .

فإنما يرتفع الناس بنصرتهم للسنة فما ينبغي أن يرفع فوق السنة.

 فإن قيل هذه الأحاديث تخالف قوله
تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾، فيقال : هذه الآية إنما فيها نفي التعذيب
قبل إرسال الرسل ، وليس فيها أن أهل الفترة في الجنة.

والعامة من أهل العلم على أن أهل الفترات فيهم من يدخل النار ، والأحاديث
في ذلك متواترة ونقل الأشعري في مقالات الإسلاميين أنهم يمتحنون يوم القيامة.

 فإذا جاءنا خبر في أن بعض أهل
الفترات سيدخل النار ، لم يكن معارضاً بحال للآية لأنهم يمتحنون يوم القيامة فمنهم
من ينجو ومنهم من يهلك.

 ولو فرضنا أن الآية تدل على نجاتهم
فالسنة تخصص القرآن كما قدمنا.

 وإن من ضيق العطن افتراض المعارضة
بين الأخبار التي بابها الخصوص والعموم، ومن أعظم منافع علم الأصول القدرة على التوفيق
بين الأخبار.

 وأما أن يفهم المرء من القرآن
فهماً ، ثم يعترض على أحاديث السنة بفهمه فهذا منهج خطير، سار عليه من أنكر أحاديث
قتل المرتد، وسار عليه المعتزلة والخوارج في إنكارهم أحاديث الشفاعة.

وسار عليه العقيد معمر القذافي فيما ذكره عنه غازي القصيبي في مناظرته
مع الملك خالد في مسألة تعدد الزوجات ، حيث قال أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾، فدلت الآية على أنها خاصة بمن أراد أن يحمي اليتيمات ! .

 ورفض الأحاديث التي تخالف هذا
الفهم الغريب، بل سار عليه حتى مدعي النبوة  فهموا من سورة الدخان فهماً ، ثم طعنوا في الأحاديث
التي تخالف فهمهم.

 وسار عليه الكثير من المبطلين
.

 وقد حمل لواء السنة حملاً مجيداً
في الرد على هذا المسلك وما شابهه ابن القيم في الطرق الحكمية، وهم يعولون على أن النصوص
القرآنية قطعية الثبوت ، وهذا لا إشكال فيه، ولكن النصوص ينظر إليها من جهة ثبوتها
ومن جهة دلالتها على المقصود، ودلالتها على مقصودهم ظنية بدليل مخالفة بقية الأمة لهم
، فإن كان فهمهم ظني ، وفهمنا ظني فلا بد من مرجح، والمرجح الأدلة قطعية الدلالة التي
في الأحاديث ، مع إجماع الأمة ودلالة القرآن القطعية على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة،
قال الله تعالى : ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ
وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾، وقد قدمنا قطعية ثبوت هذه الأدلة، ولا يجوز للمرء أن يكون مغروراً
ينفرد بفهمه عن فهم السلف ، فإنك مهما قرأت في كتب الأصول واللغة والحديث لن تبلغ علم
السلف وفقههم.

ومن أسوأ ما وقفت في هذا الباب ما نقله الأشعري وهبي سليمان غاوجي الألباني
عن ابن العربي المالكي أنه يكفر من يأخذ بالأحاديث الواردة في أبوي النبي صلى الله
عليه وسلم ، وهذا غاية في القبح ومن يكفر من يأخذ الأحاديث الصحيحة فهو أولى بالتكفير
، وأقل أحواله التبديع والتضليل، ويلزم وهبي سليمان أن يكفر القاضي عياض والنووي وابن
حجر والبيهقي.

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم