قرأت في جريدة الْيَوْم السابع كلاما لأسامة الأزهري عن الأهرام وتمثال أبي الهول وقد وضعوا له عنوانا كنت لا أظنه أنه يقول به أن الصحابة عرفوا الأهرامات وكتبوا أسماءهم عليها ( وقد نقل ذلك من كتاب لرجل إدريسي ولد في أواخر القرن السادس دون إسناد ومثل هذا لا يعتمد عليه رجل يحترم عقله فرجا بينه وبين الصحابة مئات السنين ينفرد بهذا كيف يعتد به )
فكان مما احتج به أسامة الأزهري رواية دخول سعد بن أبي وقّاص لإيوان كسرى وفيه تماثيل وصلاته فيه دون تغيير للتماثيل وتلاوته قوله تعالى : كم تَرَكُوا من جنات وعيون . الآيات
وإن مما تقرر في علم أصول الفقه أن فعل الصحابي إنما يكون حجة إذا روي عنه بسند محتمل ولَم يعارضه ما هو أقوى منه أو يكافئه
وهذه الرواية توجد مسندة في تاريخ الطبري وفِي سندها سيف بن عمر التميمي كذاب
وشعيب بن إبراهيم الراوي عنه قال فيه ابن عدي :” وَشُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا لَهُ أَحَادِيثُ وَأَخْبَارٌ، وَهو ليس بذلك المعروف ومقدار ما يروي من الحديث وَالأَخْبَارِ لَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ وَفِيهِ بَعْضُ النَّكِرَةِ لأَنَّ فِي أَخْبَارِهِ وَأَحَادِيثِهِ مَا فِيهِ تَحَامُلٌ عَلَى السَّلَفِ”
فكيف يستدل ( الأزهري ) الدارس لأصول الفقه بهذا ويترك حديث علي : ( ولا تمثالا إلا طمسته ) وحديث عائشة في الصحيح : لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب، إلا نقضه. (والتماثيل والصلبان باب واحد )
وكيف فاته قول عمر الذي علقه البخاري في الصحيح : إنَّا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور. ( وهو يخالف المروي هنا عن سعد )
ثم لنصدق مع أنفسنا قليلا فنقول : هل كان المسلمون من الفرس يفتخرون بإيوان كسرى ويعتبرونه رمزا حضاريا يغذي العصبية العرقية أو الوطنية ؟
بحثنا الْيَوْم ليس في جواز الإبقاء عليها من عدمه وإنما في تعظيمها والثناء عليها والافتخار بها
وقد قال تعالى عن عاد : ( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ )
لقد ذم الله ذلك وسماه عبثا اذ كان ملهيا لهم عن الآخرة ولا ضرورة له ولا حاجة دنيوية وإنما غرضه المفاخرة وبمقاييس الكفار التي تأثر بها الأزهري هذه حضارة يفخر بها المصري على الحجازي والشامي
فبماذا يفخر ؟ بأن هناك حجارة كانت تعبد أو تعظم أو أن ملوكا لهم مقابر فاخرة !
وقد نقل قولا ينسب للجاحظ في كتب المتأخرين وما وجدته فيما بين أيدينا من كتبه يذكر ايه عجائب مصر وذكر الأهرامات وفاته أنه ذكر أبا الهول وسماه صنما بل وذكر أن لبعض الناس فيه اعتقاد أنه تعويذة تحمي الجيزة من العواصف الرملية
فصنم ويعتقد به الجهال فمثل هذا تركه إما يكون عن تقصير أو عجز ولا دليل على أنه كان ظاهرا في وقت الصحابة فالجاحظ ذكر هرمين فقط فمعناه أن الثالث كان مدفونا ولا يبعد أن غيره يدفن أيضا في زمن غابر وهل يقبل الأزهري بتسمية أبي الهول صنما ؟
ولا تستبعد أن تجد هذا الاعتقاد في بعض الناس الْيَوْم في أبي الهول فمن يرى اعتقاد كثير من الناس بالخرافات والأضرحة والتمائم وغيرها يقرب من عقله جدا أن يعتقد بعضهم في بنية ما أنها تسيطر عليها قوى خارقة تسبب كذا وكذا وهذه هي الوثنية
وذكر العبادة هو للتنزل والا الخصم نفسه لو رآها تعبد أو يعتقد بها فلن يغير موقفه لأن منطلقه سيطرة فكر وافد على عقله وما حادثة أصنام بوذا عنا ببعيد
وبما أنني ذكرت أسامة الأزهري أذكر أزهريا آخر وهو عبد الله رشدي فقد كتب ردا على مبروك عطية في أمر النقاب ووضع فتيا للأزهر ترد على منكري النقاب ولكنهم جاءوا بقول منكر فزعموا أن النقاب مباح !
ومعلوم لمن درس أصول الفقه أن المباح لا يؤجر على فعله بخلاف المستحب والواجب اللذان يؤجر على فعلهما وينفرد الواجب بأنه يأثم تاركه
والعلماء لا يختلفون أن النقاب أقل درجاته الاستحباب والخلاف في وجوبه واستحبابه هو على التحقيق في غير زمان الفتنة والفقهاء من كل المذاهب فيهم من نص على وجوبه في زمن الفتنة
فإنزال النقاب إلى رتبة المباح خرق للإجماع وسقطة واجبة الاستدراك