التنبيه على على قول الأشعري في الإبانة «استواء منزها عن المماسة والاستقرار …»

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الأشعري في الإبانة ص21 :” وأن الله تعالى استوى على العرش على
الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن
والحلول والانتقال”

 أقول : ما قاله الأشعري من السلوب
خطأ مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة ، والواجب السكوت عما سكتت عنه النصوص وسكت عنه
السلف بل بعض ما نفى الأشعري ونزه الله عنه عامة أهل السنة على إثباته، وأعني بذلك
الاستقرار ، فإن جمعاً من علماء أهل السنة فسروا الاستواء بالاستقرار ، وما أنكر البقية
عليهم.

قال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 121) : “لو ساغ ادعاء المجاز لكل
مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود
مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع
على الشيء والاستقرار والتمكن فيه قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ﴿اسْتَوَى﴾ قال علا
قال وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت وقال غيره استوى أي انتهى شبابه
واستقر فلم يكن في شبابه مزيد.

قال أبو عمر:

الاستواء الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال :﴿لِتَسْتَوُوا
عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْه﴾”،
وقد نقل ابن القيم هذا الكلام في اجتماع الجيوش الاسلامية وأقره، وقال شيخ الإسلام
في شرح حديث النزول ص145 : “وقال عبد اللّه بن المبارك ـ ومن تابعه من أهل العلم،
وهم كثير ـ : إن معنى ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾: استقر، وهو قول القتيبي”

 والقتيبي يعني به شيخ الإسلام
ابن قتيبة.

قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص171 : “وكيف يسوغ لأحد أن يقول
أنه بكل مكان على الحلول مع قوله:: الرحمن على العرش استوى ” أي استقر كما قال:
” فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ” أي استقررت”.

قال الذهبي في العلو : “315- قال العلامة أبو أحمد الكرجي في عقيدته
التي ألفها، فكتبها الخليفة القادر بالله وجمع الناس عليها، وذلك في صدر المائة الخامسة،
وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفراييني شيخ الشافعية ببغداد، وأمر باستتابة من خرج
عنها من معتزلي ورافضي وخارجي، فمما قال فيها:

“كان ربنا عز وجل وحده لا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته،
وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرا1 كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة
كما يستريح الخلق”، وقد علق الذهبي بقوله (قلت: ليته حذف “استواء استقرار”
وما بعده فإن ذلك لا فائدة فيه بوجه).

أقول : بل ليت الذهبي ترك هذا التعليق فإن هذا التفسير منقول عن جماعة
من السلف كما تقدم ولا يناقض التفاسير الأخرى المنقولة عنهم بل يؤكدها ، وما أنكره
أحد في زمن السلف ، وتحتمله اللغة .

وقال ابن القيم في الكافية الشافية (2/361) :

فلهم عبارات عليها أربع*** قد حصلت للفارس الطعان

وهي استقر وقد علا وكذلك *** ارتفع الذي ما فيه من نكران

وكذاك قد صعد الذي هو أربع *** وأبو عبيدة صاحب الشيباني

يختار هذا القول في تفسيره *** أدرى من الجهمي بالقرآن

وقال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في الدرر السنية (3/215)
:” وهو الذي ورد عن الصحابة، والتابعين من المفسرين وغيرهم، في معنى قوله: ﴿الرَّحْمَنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ إن معنى استوى: استقر، وارتفع، وعلا، وكلها بمعنى واحد؛
لا ينكر هذا إلا جهمي زنديق، يحكم على الله وعلى أسمائه وصفاته بالتعطيل، قاتلهم الله
أنى يؤفكون”.

وكذلك أثبت الشيخ عبد العزيز ابن باز هذا المعنى في شرحه على الواسطية

 وقال ابن عثيمين في شرح
العقيدة الواسطية (1/48) :” مثاله قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾:
ظاهر اللفظ أن الله تعالى استوى على العرش: استقر عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائل:
معنى {اسْتَوَى}: استولى على العرش، فنقول: هذا تأويل عندك لأنك صرفت اللفظ عن ظاهره،
لكن هذا تحريف في الحقيقة، لأنه ما دل عليه دليل، بل الدليل على خلافه، كما سيأتي إن
شاء الله”

 وقال أيضاً في شرح الواسطية
(1/332) :” فإن سألت: ما معنى الاستواء عندهم؟ فمعناه العلو والاستقرار.

وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معاني: الأول: علا، والثاني: ارتفع،
والثالث: صعد. والرابع: استقر.

لكن(علا) و(ارتفع) و(صعد) معناها واحد، وأما(استقر)، فهو يختلف عنها

 ودليلهم في ذلك: أنها في جميع
مواردها في اللغة العربية لم تأت إلا لهذا المعنى إذا كانت متعدية بـ(على):

 قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ
أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ
وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ
رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾”

 وكذا أثبت تفسير الاستواء بالاستقرار
الشيخ محمد خليل هراس في شرحه على العقيدة الواسطية، وممن أثبت تفسير الاستواء بالاستقرار
العلامة محمود شكري الآلوسي في غاية الأماني.

وقال شيخ الإسلام في أجوبة الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية ص169
:” وقال الشيخ أبو الحسن بن الكَرَجي، أحدُ الأئمة الكبار من أصحاب الشافعي، في
كتاب (الفصول من الأصول عن الأئمة الفُحول): فإن قيل: قد منعتم التأويل، وعددتموه من
الأباطيل، فما قولكم في تأويل السلف؟ وما وجهُ نحوٍ مما يُروى عن ابن عباس في معنى
﴿اسْتَوَى﴾: استقر؟ وما رويتم عن سفيان في قوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ قال: بعلمه.

فقال في الجواب: إن كان السلف صحابيًّا، فتأويله مقبول. وقَرَّرَ ذلك.

قال: فإن صح عن ابن عباس هذا وضعنا له الحدَّ، وعرفنا من الاستقرار ما
عرفناه من الاستواء، وقلنا: إنه ليس باستقرار يتعقَّبُ تبعًا واضطرابًا، بل كيف شاء
وكما شاء.

فأما إذا لم يكن السلف صحابيًّا، فإن تابعه عليه الأئمة المشهورون من نقلة
الحديث والسنة، ووافقهُ الثقاتُ الأثباتُ، تابعناهُ ووافقناهُ، فإنه إن لم يكن إجماعًا
حقيقةً، ففيه مُشابِه الإجماع؛ إذْ هو سبيلُ المؤمنين،وتوافقُ المتقين، الذين لا يجتمعون
على ضلالة، ولأنَّ الأئمة لو [لم] يعلموا أنّ ذلك عن الرسول والصحابة [لم] يتابعوه”.

وهذا التنبيه جاء لئلا يغتر أحد بما كتب الأشعري في الإبانة ، لكن المشهور
عند طلبة العلم أنه قد رجع إلى عقيدة السلف في هذا الكتاب – وليس الأمر كذلك  – فلعل ظاناً يظن أن ما قاله هو عقيدة السلف ، وقد
وقع ذلك لي قديماً .

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم