التحذير من عقيدة الأشاعرة في اشتراط المعجزة لتصحيح النبوة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد رأيت كتاباً للدكتور محمد العريفي في
معجزات الأنبياء قرر فيه أنه لا بد للنبي من معجزة وأنه لولا المعجزات لكان
للمشركين أن يكفروا ولا يصدقوا الأنبياء

واعجب من دكتور العقيدة كيف يقرر عقيدة
الأشاعرة

فجعل صدق الأنبياء موقوفاً على ما يسميه
المتكلمون والنظار بالمعجزات هو قول الأشاعرة

وقد نقضه ابن تيمية رحمه الله في كتابه
النبوات

قال ابن تيمية في النبوات ص238 :” الوجه
الرابع: أن يقال: لِمَ قلتم أنّه لا دليل على صدقهم إلا المعجزات2، وما ذكرتم من
الإجماع على ذلك لا يصحّ الاستدلال به لوجهين :

أحدهما: أنه لا إجماع في ذلك، بل كثيٌر من
الطوائف يقولون: إنّ صدقهم بغير المعجزات.

الثاني: إنّه لا يصحّ الاحتجاج بالإجماع
في ذلك؛ فإنّ الإجماع إنّما يثبت بعد ثبوت النبوة، والمقدمات التي يُعلم بها
النبوة لا يُحتج عليها بالإجماع، وقولكم: لا دليل سوى المعجز: مقدمة ممنوعة.

وذُكر عن الأشعري أنّه ذَكَرَ جواباً آخر،
فقال: وأيضاً فإنّ قول القائل: ما أنكرتم من جواز إظهار المعجزات على أيدي
الكذابين: قولٌ متناقضٌ، والله على كل شيء قدير. ولكن ما طالب السائل بإجازته
محالٌ، لا تصحّ القدرة عليه، ولا العجز عنه؛ لأنّه بمنزلة كونه أظهر المعجزات على
أيديهم؛ فإنّه أوجب أنهم صادقون؛ لأنّ المعجز دليلٌ على الصدق، ومتضمنٌ له.

وقوله: مع ذلك أنهم كاذبون: نقضٌ لقوله: أنهم
صادقون قد ظهرت المعجزات على أيديهم. فوجب إحالة هذه المطالبة، وصار هذا بمثابة
قول

من قال: ما أنكرتم من صحة1 ظهور الأفعال
المحكمة الدالّة على علم فاعلها، والمتضمّنة لذلك من جهة الدليل، من الجاهل بها في
أنّه قولٌ باطلٌ متناقضٌ، فيجب إذا كان الأمر كذلك استحالة ظهور المعجزات على يد
الكاذبين، واستحالة ثبوت قدرة قادر عليه. وكيف يصح على هذا الجواب أن يقال: ما
أنكرتم [وزعمتم أنّه]2 من فعل المحال الذي لا يصحّ حدوثه، وتناول القدرة له [هو من
قبيل الجائز]3 قياساً على صحّة خلق الكفر، وضروب الضلال التي يصحّ حدوثها، وتناول
القدرة لها.

من أصول الأشاعرة تجويزهم على الله فعل كل
ممكن وعدم تنزيهه عن شيء.. ويلزمهم على ذلك خلق المعجزة على يد الكذاب

قلت: هذا كلامٌ صحيحٌ إذا عُلم أنّها دليل
الصدق، يستحيل وجوده بدون الصدق، والممتنع غير مقدور، فيمتنع أن يظهر على أيدي
الكاذبين ما يدل على صدقهم. لكن المطالب يقول: كيف يستقيم على أصلكم [أن يكون]4
ذلك [دليل]5 الصدق، وهو أمرٌ حادثٌ مقدور، وكلّ مقدور يصح عندكم أن يفعله الله،
ولو كان فيه من الفساد ما كان؛ فإنّه عندكم لا ينزه عن فعل ممكن، ولا يقبح منه
فعل؛ فحينئذ إذا خلق على يد الكاذب مثل هذه الخوارق، لم يكن ممتنعاً على أصلكم،
وهي لا تدلّ على الصدق البتة على أصلكم، ويلزمكم إذا لم يكن دليل إلهي، ألاَّ يكون
في المقدور دليلٌ على صدق مدعي النبوّة، فيلزم أنّ الربّ سبحانه لا يصدق أحداً
ادّعى النبوّة6

وإذا قلتم: هذا ممكنٌ، بل واقعٌ، ونحن
نعلم صدق الصادق إذا ظهرت هذه الأعلام على يده ضرورةً1. قيل: فهذا يُوجب أنّ الربّ
لا يجوز عليه إظهارها على يد كاذب. وهذا فعلٌ من الأفعال هو قادر عليه، وهو سبحانه
لا يفعله، بل هو منزّه عنه. فأنتم بين أمرين: إن قلتم: لا يمكنه خلقها على يد
الكاذب وكان ظهورها ممتنعاً، فقد قلتم: أنّه لا يقدر على إحداث حادثٍ قد فعل مثله،
وهذا تصريحٌ بعجزه. وأنتم قلتم: فليست [بدليل، فلا]2 يلزم عجزه، فصارت دلالتها
مستلزمةً لعجزه على أصلكم. وإن قلتم: يقدر، لكنّه لا يفعل، فهذا حقٌ، وهو ينقض
أصلكم.

وحقيقة الأمر: أنّ نفس ما يدلّ على صدق [الصادق]
بمجموعه، امتنع أن يحصل للكاذب، وحصوله له ممتنعٌ غير مقدور.

الله قادر على خلق الخوارق على يد الكذاب
ولا يفعل لحكمة

وأمّا خلق مثل تلك الخارقة على يد الكاذب،
فهو ممكنٌ، والله سبحانه وتعالى قادر عليه، لكنه لا يفعله لحكمته4؛ كما أنّه
سبحانه يمتنع عليه أن يكذب، أو يظلم”

وخلاصة الكلام أن المعجزات من من الأدلة
على صدق الأنبياء ولكن هناك براهين أخرى كسيرة النبي ومخالفتها لسيرة الشعراء
والكهان وحقيقة ما يدعو إليه وموافقته للأنبياء من قبله

ولهذا صدقت خديجة وصدق هرقل ابتداءً دون
النظر إلى معجزات

قال شيخ الإسلام في النبوات ص885 :” ومن
تأمل معارف الناس وجد أكثرها من هذا الضرب؛ فقد يجيء المخبر إليهم بخبر، فيعرف
كثير منهم صدقه أو كذبه بالضرورة، لأمور تقترن بخبره. وآخرون يشكّون في هذا. ثمّ
قد [يتبين] لبعضهم بأدلة، وقد لا يتبيَّن.

كثير من الناس يعلم صدق النبي بلا آية

وكثيرٌ من الناس يعلم صدق المخبر بلا آية
البتة، بل إذا أخبره، وهو

خبير بحاله، أو بحال ذلك [المخبَر به] ،
أو بهما، علم بالضرورة: إمّا صدقه، وإمّا كذبه.

وموسى بن عمران لما جاء إلى مصر فقال
لهارون وغيره: إنّ الله أرسلني، علموا صدقه، قبل أن يُظهر لهم الآيات. ولما قال
لهارون: إن الله قد أمرك أن تؤازرني، صدَّقه هارون في هذا، لما يعلم من حاله
قديماً، ولما رأى من تغير حاله الدليل على صدقه.

المسلك النوعي

وكذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم لمَّا
ذكر حاله لخديجة، وغيرها، وذهبت به إلى ورقة بن نوفل، وكان عالماً بالكتاب الأول،
فذكر له النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يأتيه، علم أنّه صادق، وقال: هذا هو
النَّاموس الذي كان يأتي موسى، يا ليتني فيها جذعاً، يا ليتني أكون حيّاً حين
يُخرجك قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أو مخرجيّ هم؟”. قال:
نعم، لم يأت أحدٌ بمثل ما جئت به إلاَّ عودي، وإن يُدركني يومك أنصرك نصراً
مؤزّراً.

وكذلك النجاشي: لمّا سمع القرآن، قال: إنّ
هذا، والذي جاء به موسى، ليخرج من مشكاة واحدة.

المسلك الشخصي

وكذلك أبو بكر، وزيد بن حارثة، وغيرهما: علموا
صدقه علماً ضرورياً

لمّا أخبرهم بما جاء به، وقرأ عليهم ما
أُنزل عليه. وبقي القرآن الذي قرأه آية، وما يعرفون من صدقه وأمانته، مع غير ذلك
من القرائن، يوجب علماً ضروريّاً بأنّه صادق.

وخبر الواحد المجهول من آحاد الناس، قد
تقترن به قرائن، يُعرف بها صدقه بالضرورة”

وفي هذا الكلام نقض مبرم لعقيدة الأشاعرة
الجهمية في المسألة والعجب من الأشاعرة حيث يزعمون أن أفعال الله لا تعلل ثم
يشترطون لكل نبي معجزة فإذا سألتهم قالوا ( لكي يثبت صدقه ) فعللوا أفعال الله
وأثبوا ما نفوه وتناقضوا

وصدق الله (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ
اخْتِلَافًا كَثِيرًا)

وبعضهم يقول ( النبوة لا يلزم الإيمان بها
إلا بمعجزة ) ويتناسى ذم الله عز وجل لأبي لهب تكذيبه للنبي صلى الله عليه وسلم
ولما يرَ آيات بعد

وبقي التنبيه على أن مصطلح ( معجزة ) منتقد
وإنما هي ( آيات )

ووقوع العريفي وأضرابه في عقائد الأشاعرة
مع تخصصهم في العقيدة إنما سببه ذلك التعظيم للأشعرية الجهمية وانتشار كتبهم بين
الناس حيث أن بعض الناس لا يعرف في المسألة إلا كلامهم وإنني لأعجب ممن يزعم في
بعض مشاهير الأشعرية أنه لا خوف من كتبه على أهل السنة مع الكم الهائل من
المخالفات التي نراها منتشرة بين الناس بسبب كتب هؤلاء خصوصاً في المسائل الخفية
على كثير من الناس كمسائل النبوات والحكمة والتعليل والتحسين والتقبيح ولو لم يكن
فيها إلا ثبيت أهل الباطل لكفى فكيف وفيها إضلال لبعض أهل الحق

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم