قال المروذي في أخبار الشيوخ [275 ] :
فَقَدِمَ عَلَيْنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، فَسَأَلْنَاهُ
عَنْهَا فَقَالَ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ :
كُنْتُ صَاحِبَ رَأْيٍ، فَلَمَّا
أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْحَجِّ عَمِدْتُ إِلَى كُتُبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ،
فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا مَا يُوَافِقُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الأَحَادِيثِ،
فَبَلَغْتُ نَحْوَ ثَلاثِ مِائَةِ حَدِيثٍ
فَقُلْتُ : أَسْأَلُ عَنْهَا مَشَايِخَ
عَبْدِ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ
لَيْسَ يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَنْ يُخَالِفَ أَبَا حَنِيفَةَ.
فَلَمَّا قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، جَلَسْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ، فَقَالَ لِي : مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ : مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، فَتَرَحَّمَ
عَلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهُ، فَقَالَ : هَلْ مَعَكَ مَرْثِيَةٌ
رُثِيَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ؟ قُلْتُ : نَعَمْ، فَأَنْشَدْتُهُ قَوْلَ أَبِي تُمَيْلَةَ
يَحْيَى بْنِ وَاضِحٍ الأَنْصَارِيِّ :
طَرَّقَ النَّاعِيَانِ إِذْ نَبَّهَانِي بِقَطِيعٍ مِنْ فَاجِعِ الْحَدْثَانِ
قُلْتُ لِلنَّاعِيَانِ مَنْ تَنْعِيَا؟ قَالا أَبَا عَبْدِ رَبِّنَا الرَّحْمَانِ
فَأَثَارَ الَّذِي أَتَانِي حُزْنِي وَفُؤَادُ الْمُصَابِ ذُو أَحْزَانِ
ثُمَّ فَاضَتْ عَيْنَايَ وَجْدًا وَشَجْوًا بِدُمُوعٍ يُحَادِرُ الْهَطْلانِ
وَذَكَرَ الْقَصِيدَةَ إِلَى آخِرِهَا، قَالَ : فَمَا زَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ
يَبْكِي، وَأَنَا أُنْشِدُهُ، حَتَّى إِذَا مَا قُلْتُ :
وَبِرَأْيِ النُّعْمَانِ كُنْتَ بَصِيرًا ….
قَالَ لِي : اسْكُتْ، فَقَدْ أَفْسَدْتَ الْقَصِيدَةَ، فَقُلْتُ : إِنَّ
بَعْدَ هَذَا أَبْيَاتًا حِسَانًا، فَقَالَ : دَعْهَا، أَتَذْكُرُ رِوَايَةَ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنَاقِبِهِ؟ ! مَا نَعْرِفُ لَهُ زَلَّةً بِأَرْضِ
الْعِرَاقِ إِلا رِوَايَتَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ
عَنْهُ، وَأَنِّي كُنْتُ أَفْتَدِي ذَلِكَ بِمُعْظَمِ مَالِي.
فَقُلْتُ : يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَحْمِلُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ كُلَّ
هَذَا، أَلَمَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالرَّأْيِ، فَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ، وَالأَوْزَاعِيُّ يَتَكَلَّمُونَ بِالرَّأْيِ؟ ! فَقَالَ : أَتَقْرِنُ
أَبَا حَنِيفَةَ إِلَى هَؤُلاءِ ! مَا أَشْبَهَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ
إِلا بِنَاقَةٍ شَارِدَةٍ فَارِدَةٍ تَرْعَى فِي وَادٍ جَدْبٍ، وَالإِبِلُ كُلُّهَا
تَرْعَى فِي وَادٍ آخَرَ.
قَالَ إِسْحَاقُ : ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدُ فَإِذَا النَّاسُ فِي أَمْرِ
أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى خِلافٍ مَا كُنَّا عَلَيْهِ بِخُرَاسَانَ.
أقول : هذه قصة صحيحة وفيها فوائد
الأولى : منهج السلف في الإلزام بالجرح ، وردهم على من يثني على المخالفين
عندهم
ثم إن مجرد الرواية عن المخالف الداعية ولو بدون الثناء عليهم مثلبة عندهم
وتأمل قول ابن مهدي عن ابن المبارك ( مَا نَعْرِفُ لَهُ زَلَّةً بِأَرْضِ الْعِرَاقِ
إِلا رِوَايَتَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ، وَأَنِّي
كُنْتُ أَفْتَدِي ذَلِكَ بِمُعْظَمِ مَالِي)
وهذا معنى قولهم في كثير من الرواة ( لا تحل الرواية عن فلان ) وقولهم
( لا تحل ) تعني تأثيم من يروي عنه فمن روى عنه وإن لم يثنِ عليه مع معرفته به كان
ذلك مثلبة في حقه ومسقطة لعدالته
ومن هذا قول الشافعي ( الرواية عن حرام حرام ) فالسلف لم يكونوا يلزمون
بالجرح فقط ، بل كانوا يلزمون بهجر المجروح بين الحال ، بل وبترك الرواية عنه ، وعامة
ما ترى من الروايات عن هؤلاء ممن لا بصيرة عنده بالحديث ولم يجد من ينبهه من الأئمة
قال أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام 1414 – سمعت أبي يقول: قال يحيى بن
عمار:
((لو كتب يحيى بن عمار عن أحد من أهل الرأي حديثاً؛ فقطع الله أصابعه)).
[قال الشيخ]: وهو الذي نهانا عن السماع عن أبي بكر الحرشي، وإلا؛ فقد أدركته
بنيسابور وهو يسمع منه.
رحمه الله من إمام
وأمر أبي حنيفة ليس من هذا الباب فحسب ، بل من باب البدعة التي نقلت عنه
وهي الإرجاء والسيف
ولما كان ابن المبارك إماماً زاهداً ورعاً رجاعاً إلى الحق رجع عن الرواية
عن أبي حنيفة
قال عبد الله بن أحمد في السنة 294 – حدثني أبو الفضل الخراساني ، ثنا
إبراهيم بن شماس السمرقندي ، ثنا عبد الله بن المبارك ، بالثغر عن أبي حنيفة ، قال
: فقام إليه رجل يكنى أبا خداش ، فقال : يا أبا عبد الرحمن لا ترو لنا عن أبي حنيفة
، فإنه كان مرجئا فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك ، وكان بعد إذا جاء الحديث عن أبي
حنيفة ورأيه ضرب عليه ابن المبارك من كتبه وترك الرواية عنه ، وذلك آخر ما قرأ على
الناس بالثغر ، ثم انصرف ومات ، قال : وكنت في السفينة معه لما انصرف من الثغر ، وكان
يحدثنا فمر على شيء من حديث أبي حنيفة ، فقال لنا : اضربوا على حديث أبي حنيفة فإني
قد خرجت على حديثه ورأيه ، قال : ومات ابن المبارك في منصرفه من ذلك الثغر ، قال :
وقال رجل لابن المبارك ونحن عنده : إن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف فلم ينكر ذلك
عليه ابن المبارك
وهذا إسناد صحيح ويدل على عدم رجوع أبي حنيفة عن هذه المقالة إلى موته
وقال عبد الله في السنة 327 – حدثني أبو الفضل الخراساني ، نا أحمد بن
الحجاج ، نا سفيان بن عبد الملك ، حدثني ابن المبارك ، قال : ذكرت أبا حنيفة عند الأوزاعي
وذكرت علمه وفقهه فكره ذلك الأوزاعي وظهر لي منه الغضب وقال : « تدري ما تكلمت به تطري
رجلا يرى السيف على أهل الإسلام ، فقلت : إني لست على رأيه ولا مذهبه ، فقال : قد نصحتك
فلا تكره فقلت قد قبلت »
فانظر الإلزام بالجرح ، وكيف أن ابن المبارك ما ذهب يقول ( ولكنه فقيه
) أو ( يؤخذ الخير ويترك الشر ) بل سلم للحجة
الفائدة الثانية : إبطال القياس الفاسد في الجرح والتعديل
فإسحاق ظن أن أبا حنيفة كغيره من الأئمة في هذا الباب ، كما هو مشهور عند
عامة الناس اليوم
ولكن الإمام ابن مهدي أبطل هذه الشبهة ، وقد أبطلها الأوزاعي أيضاً
قال عبد الله بن أحمد في السنة 273 – حدثني إبراهيم ، ثنا أبو توبة ، عن
أبي إسحاق الفزاري ، قال : قال الأوزاعي : « إنا لا ننقم على أبي حنيفة الرأي كلنا
نرى ، إنما ننقم عليه أنه يذكر له الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفتي بخلافه
وهذا الذي قاله الأوزاعي ثابت عن أبي حنيفة
قال عبد الله في السنة 269 – حدثني إبراهيم ، ثنا أبو توبة ، عن أبي إسحاق
الفزاري ، قال « حدثت أبا حنيفة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث في رد السيف
فقال : هذا حديث خرافة »
ولهذا قال أبو زرعة الرازي كما في سؤالات البرذعي (2/720) :” ويقول
_ يعني أبا حنيفة _ :
القرآن مخلوق ويرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستهزىء بالآثار
ويدعو إلى البدع والضلالات ثم يعني بحديثه ما يفعل هذا إلا غبي جاهل أو نحو ما قال
: وجعل يحرد على إبراهيم ويذكر أحاديث من رواية ابي حنيفة لا أصل لها “
أقول : ولعل كثيرين يتضايقون من هذا الكلام ويقولون ما المصلحة؟
الرجل اتفقوا على إمامته !
فأقول لمن هذا شأنه : لا أقول لك اقرأ ترجمته في الضعفاء للعقيلي والمجروحين
لابن حبان والمعرفة والتاريخ وأحوال الرجال والمنتظم لابن الجوزي
دع هذا كله جانباً
فقط اذهب واقرأ السنة لعبد الله بن أحمد وخذ الآثار الصحيحة فقط ، ولا
تأخذ غيرها ، وتعنت فيها أشد ما يتعنت المرء في الأحاديث المرفوعة
ثم خذ أسماء من صح عنهم الطعن واكتبها في ورقة
ثم اقرأ كتب المجروحين من الرواة كتاباً كتاباً ، واجهد أن تجد رجلاً غير
هذا الرجل تكلم فيه هذا العدد الهائل من الأئمة
لا أريد تعديلاً ، فقط أريد هذا الأمر فإن أتيتموني برجل هذا الرجل تكلم
فيه السفيانان والحمادان والأوزاعي وابن المبارك ومالك والشافعي وأحمد والبخاري باسمه
فإنني سأحذف هذا الموضوع وغيره من المواضيع
علماً أن من ذكرتهم ليس وحدهم من تكلم
واجهد ان تجد رجلاً آخر غير هذا الرجل ، إن شئت أن تراهم متكلمين في عقيدته
وجدت أشد الكلام ، وإن شئت أن تراهم متكلمين فقهه وجدت أشد الكلام ، وإن شئت أن تراهم
متكلمين في حديثه وجدتهم متكلمين بأشد الكلام
ولا تأتني بالجهم بن صفوان فليس يروي الحديث ، وحتى الجهم لا تجد هؤلاء
الأئمة قد اتفقوا عليه فمنهم من لم يدركه ومنهم من لعله من لم يسمع به أو اكتفى بكلام
غيره ، ولكننا إذا جعلنا ذم الجهمية ذماً له باسمه فالأمر يستقيم
وائتني برجل تكلم فيه نصف من تكلموا في هذا الرجل ، صار بعد ذلك إماماً
مجمعاً عليه وليس من المصلحة الكلام فيه ببعض كلام السلف
فحال هذا الرجل على ( خلاف القياس ) !
وهي حالة فريدة شاذة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم !
وأي إجماع نصدق
أنصدق قول ابن الجوزي في المنتظم (3/23) :” وبعد هذا فاتفق الكل على
الطعن فيه، ثم انقسموا على ثلاثة أقسام: فقوم طعنوا فيه لما يرجع إلى العقائد و الكلام
في الأصول. وقوم طعنوا في روايته وقلة حفظه وضبطه. وقوم طعنوا لقوله الرأي فيما يخالف
الأحاديث الصحاح”
أم قول ابن عبد البر في الانتقاء ص149 :” كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ
اسْتَجَازُوا الطَّعْنَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لِرَدِّهِ كَثِيرًا مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ
الْعُدُولِ لأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى عَرْضِهَا عَلَى مَا اجْتَمَعَ
عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ فَمَا شَذَّ عَنْ ذَلِكَ رَدَّهُ
وَسَمَّاهُ شَاذًّا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا يَقُولُ الطَّاعَاتُ مِنَ الصَّلاةِ
وَغَيْرِهَا لَا تُسَمَّى إِيمَانًا وَكُلُّ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الإِيمَانُ
قَوْلٌ وَعَمَلٌ يُنْكِرُونَ قَوْلَهُ وَيُبَدِّعُونَهُ بِذَلِكَ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ
مَحْسُودًا لِفَهْمِهِ وَفِطْنَتِهِ”
أم الإجماع الذي ينقله بعض المعاصرين من الاتفاق على إمامته !
وقد قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (2/169) :” فإن هذا
من باب تناقض الإجماعات ، وهي لا تتناقض ، وإذا اختلف فيه المتأخرون فالفاصل بينهم
: هو الكتاب والسنة ، وإجماع المتقدمين نصا واستنباطا “
واجهد أن تجد رجلاً تكلموا فيه بصيغه أفعل كهذا الرجل فابن مهدي يقول
( ما نزلت فتنة من السماء إلى الأرض كفتنة أبي حنيفة ) ، وسفيان والأوزاعي يقولان
:” ما مولود أشأم على الأمة من أبي حنيفة “
واجهد أن ترى رجلاً قال فيه مالك ( كاد الدين ) وقال الشافعي ( جاهل بالكتاب
جاهل بالسنة ) وقال أحمد : يؤجر الرجل على بغض أصحابه غير هذا الرجل
أما أنا فلم أجد
الفائدة الثالثة : كون إسحاق بن راهوية كان من أصحاب الرأي ، وأيضاً أبو
زرعة الرازي كان من أهل الرأي وأحمد أول ما سمع الحديث من أبي يوسف
أذكر هذا لدفع تقول بعض الناس أن كلام أهل الحديث في أهل الرأي كان لداعي
المنافسة ، بل كان ديانة وإلا فكثير منهم كانوا أصحاب رأي وتركوا تلك الضلالة
قال أبو زرعة الرازي كما في سؤالات البرذعي (2/255) : كان أهل الرأي قد
افتتنوا بأبي حنيفة وكنا أحداثا نجري معهم ولقد سألت أبا نعيم عن هذا وأنا أرى أني
في عمل ولقد كان الحميدي يقرأ كتاب الرد ويذكر أبا حنيفة وأنا أهم بالوثوب عليه حتى
من الله علينا وعرفنا ضلالة القوم.
فتأمل قول أبي رزعة ( وكنا أحداثاً نجري ) فهذا يشبه حال الكثيرين ممن
إذا أرادوا تنفيرهم من السلفيين قالوا لهم ( هؤلاء يطعنون في أبي حنيفة )
اللهم اهد إخواننا كما إسحاق وابن المبارك وأبا زرعة وغيرهم
ورد الحميدي هذا كان موجوداً إلى عصر أبي إسماعيل الهروي الأنصاري
قال الهروي في ذم الكلام 1290 – وقال يحيى بن عمار:
((كان حامد بن محمد الرفاء [يحرج] على أهل الرأي أن يرووا عنه، ولا يأذن
لهم في داره ليسمعوا منه، فأتاه إنسان من رؤساء بلخ، فألحوا عليه، [فأذن له]، فلما
أذن له؛ دخل عليه لم يرفع به رأساً، وقال: من أين أنت؟ قال: من بلخ. قال: دار المرجئة!
ثم قال لي الرفاء: خذ من رد الحميدي. فقرأت له عليه منه شيئاً كثيراً)).
أقول هذا رداً على الحنفيين بشار عواد معروف وشعيب الأرناؤوطي الذين قالا
في تحرير تقريب التهذيب وهو يتكلمان عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة (1/132)
:” ما أنصفه بعض المحدثين وما أنصفوا جده “
والجواب على هذا من وجوه
أولها : أن جده تكلم فيه عامة أئمة الإسلام الذين اعتمدتم أنتم أقوالهم
طوال الكتاب فأن لم ينصفوه فما أنصفوه أحداً وبذلك يسقط علم الجرح والتعديل
ثانيها : قولهم ( بعض ) تدليس بل (جل) إن لم يكن ( كل )
ثالثها : أن دواعي النقد الظالم إما أن تكون الحسد وإما أن تكون المنافسة
وعدم التثبت ويستحيل أن يتتابع ثلاثة من الأئمة على الظلم والحسد وإلا لما كانوا أئمة
وياليت شعري من هذا الذي حسده سفيان الثوري ومالك والأوزاعي وابن المبارك
وأحمد ابن حنبل وشعبة وغيرهم ؟!
وهم كلهم أعلى في الحديث والزهد والورع ، بل وفي الفقه أيضاً
وهل محمد بن الحسن الشيباني أيضاً لم ينصفه
قال ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه ص154 : ثنا أَبِي، ثنا يُونُسُ
بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: ” قُلْتُ لِمُحَمَّدِ
بْنِ الْحَسَنِ يَوْمًا، وَذَكَرَ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِنَا أَنْ يَسْكُتَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ،
وَلا لِصَاحِبِكُمْ أَنْ يُفْتِيَ يُرِيدُ مَالِكًا، قُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَتَعْلَمُ
أَنَّ صَاحِبَنَا يَعْنِي مَالِكًا كَانَ عَالِمًا بِكِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ
نَعَمْ “.
قُلْتُ: فَنَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَتَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَنَا كَانَ عَالِمًا
بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَانَ عَالِمًا بِاخْتِلافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَكَانَ عَاقِلا؟ قَالَ: لا.
قُلْتُ: فَنَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَتَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ يَعْنِي أَبَا
حَنِيفَةَ، كَانَ جَاهِلا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَانَ جَاهِلا بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَجَاهِلا بِاخْتِلافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ ، قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَكَانَ عَاقِلا؟ ، قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَتَجْتَمِعُ فِي صَاحِبِنَا ثَلاثٌ لا تَصْلُحُ الْفُتْيَا إِلا
بِهَا، وَيُخِلُّ وَاحِدَةً، وَيُخْطِئُ صَاحِبُكَ ثَلاثًا، وَيَكُونُ فِيهِ وَاحِدَةٌ،
فَتَقُولَ: لا يَنْبَغِي لِصَاحِبِكُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَلا لِصَاحِبِنَا أَنْ يَسْكُتَ؟
!
وهذا أصح إسناد في الدنيا للشافعي ، فصاحبه يشهد عليه بأنه جاهل بالقرآن
والسنة وأقاويل الصحابة ويقره الشافعي فهل هو لم ينصفه أيضاً ؟!
ولما قاله الشافعي لم يكن ابن الجوزي مقتنعاً باعتذار بعض الناس لأبي حنيفة
في مخالفة السنن حيث قال في المنتظم (3/26) :” وقد كان بعض الناس يقيم عذره ويقول:
ما بلغه الحديث، وذلك ليس بشيء لوجهين: أحدهما: أنه لا يجوز أن يفتي من يخفى عليه أكثر
الأحاديث الصحيحة. والثاني: أنه كان إذا أخبر بالأحاديث المخالفة لقوله لم يرجع عن
قوله”
رابعها : إسماعيل بن حماد هو الذي لم ينصف أهل الحديث وكان يقول بخلق القرآن
ويمتحن الناس على ذلك
قال الحافظ في لسان الميزان : وقال صالح جزرة ليس بثقة انتهى وكذا قال
مطين وهو من دعاة المأمون في المحنة بخلق القرآن وكان يقول في دار المأمون: هو ديني
ودين أبي وجدي وكذب عليهما قال الطبري حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا إسحاق
بن إبراهيم البغوي بن عم أحمد بن منيع أخبرني أبو عثمان سعيد بن صبيح أخبرني أبو عمر
والشيباني قال لما ولي إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة القضاء مضيت حتى دخلت عليه فقلت
بلغني أنك تقول القرآن كلام الله وهو مخلوق قال هذا ديني ودين آبائي
وهذا يبطل دعوى أنه أجاب تقية بل هو كان يمتحن الناس
وشعيب وبشار إنما تجرآ على الطعن في أهل الحديث لما رأيا أنه لن يرد عليهما
أحد وأنه إذا رد وعرض بأبي حنيفة فإن الناس سيردون عليه ويتهم بالحدادية لذا لما أمنا
العقوبة أساءا الأدب
وهكذا عبد الفتاح أبو غدة في تعليقاته على الانتقاء لابن عبد البر ، حيث
طعن في ابن حبان ووصف كلامه في أبي حنيفة بأنه كلام المجانين
والعجيب أن الذين يسكتون الناس عن نصرة الأئمة بحجة المصلحة لا يردون على
هؤلاء المبطلين ، فبين السكوت على الباطل وتسكيت أهل الحق ينتعش الباطل ويزداد يوماً
بعد يوم حتى وصلت الكوثرية إلى ديارنا عن طريق الرشيد تلميذ أبي غدة
أفهذه المصلحة التي تراد ؟
وقال الهروي في ذم الكلام 1289 – سمعت محمد بن عثمان النجيمي يقول:
((كان الحسين بن الشماخ الحافظ لا يدع أحداً من أهل الرأي يكتب عنه؛ فنشده
رجل من أهل المغرب بالله وذكر له طول الرحلة؛ فروى له شيئاً من مساوئ أبي حنيفة، ولم
يحدثه بحديث)).
أقول : عافاه الله وهكذا ينبغي أن يفعل بأهل البدع ، لا أن نداهنهم ونسلطهم
على أئمة الإسلام يهمزون بهم ويلمزون متى ما أرادوا
وهذا منهج سلفي لا علاقة للغلاة به
وإلا للزمنا اتهام أئمة الإسلام الغلو وإثارة الفتن
الفائدة الأخيرة : رجوع إسحاق وعدم جموده على ما ألفه في بلاده ، وهكذا
ينبغي أن يكون طالب العلم ، ولا يقول ( هذا كلام مشايخنا ) أو ( هذا المعروف عندنا
)
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم