اتركوا الناس يفرحون !

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

بالأمس لعبت مباراة في كرة القدم بين فلسطين وسوريا

وكلا البلدين كما هو معلوم جرح نازف

غير أن المدرجات كانت ممتلئة وحماس المشجعين كان شديدا والتعليقات على مواقع التواصل ليست بالقليلة

ولَم تغفل القنوات العربية الرياضية هذا الحدث وجلس المحللون يتكلمون عن المباراة قبلها وبعدها ساعات

هذا الحدث أشعرني بحيرة

إذ أن مما اعتدناه أن توضع قضايا الأمة فوق كل شيء حتى في مقابل تعلم ضروريات وواجبات الدين عند الكثيرين

بحيث أنك لو جلست لتدرس التوحيد أو الفقه فإن هناك اعتراضا حاضرا ألا وهو أن الأمة تذبح وتنزف وأنت تتكلم في هذا

وعادة يكون المتكلم بهذا الكلام لم يتعلم وليس له أي بلاء في نصرة قضايا الأمة بل في كثير من الأحيان يكون المدرس أو المتعلم أعظم منه بلاء

بل تجد قائل هذا الكلام اذا تكلم عن قضايا الأمة لم يرجعها إلى الأصل الذي صارت به الأمة ( أمة ) وهو الدين بل يرجعها إلى مفاهيم قومية أو إنسانوية أو يكون مضطربا لا يستقر على هذا

وكثير منهم يجعل في مقابل قضايا الأمة بعض الأحكام الفروعية أو الأمور الخلافية اذا جاء يستهين فيقول : الأمة تذبح وأنتم تتكلمون في المسح على الخفين . وهو في واقعه يعلم

غير أن الذين يطرحون هذا الطرح ليسوا قلة وقد أثروا على كثير من طلبة العلم ممن صاروا يخجلون من الحديث بتفاصيل بعض الأحكام الشرعية ابتداء بل ينتظرون حتى يسألهم الناس فيجيبوا فذلك أسلم لهم من تقريع المقرعين لأن كثيرا من هؤلاء يتحين الفرصة لطلبة العلم ليسمعهم هذا الكلام مع قلة إنكاره على أهل المنكرات الظاهرة وقد وقع لي أنني على كثرة ما أتكلم في القضايا العصرية والأحداث بمجرد أن أتكلم ببعض التفاصيل الفقهية في بعض المنشورات يقفز بعضهم ويعرض بأننا دراويش وفِي ثنايا كلامهم استهانة أرجو أن تكون غير مقصودة بالأحكام الشرعية وبعضها يفصح بها بشكل يبعد معه التأويل

والذي لفت نظري أن أهل كرة القدم سالمون من هذا التقريع والتربص مع كوّن عشاق هذه اللعبة يخرجون في كثير من الأحيان عن حد الاعتدال الطبعي فضلا عن البحث الشرعي

ولو جئت تتكلم عن أمر الكرة مع وجود مآسي للمسلمين

لقال لك بعضهم : يعني لا نفرح ولا نرتاح أبدا ( علما أن الأمر ليس فرحا فقط بل هو فرح وحزن وغضب وسباب وشتائم ودعاء وابتهال لله أن يسجل فريقه هدفا بل وإفتاء فكلمة ( حرام ) أسمعها عند مشجعي الكرة حين يقولون للاعب ( حرام عليك ) اذا ضيع الفرصة أكثر مما أسمعها في مجالس الافتاء .

أو يقول : اتركوا الناس يفرحون

أو يقول : هذا شيء وهذا شيء آخر يا أخي فلا تخلط

ولكن لا يقال هذا في موعظة أو درس علمي

فيقال : اتركوا الناس يبكون من خشية الله أو اتركوا الناس يعرفون كيف يعبدون ربهم على بصيرة أو اتركوا الناس يعرف ما يلزمهم في يومهم وليلتهم أو اتركوا الناس يعرفون ما ينفعهم في آخرتهم

وليس في هذا دعوة لترك قضايا الأمة غير أن قضايا الأمة أعم من اختزال الدنيويين فالأمة قضاياها قضايا القرآن الكبرى وعلى رأسها التوحيد والشرك والولاء والبراء لا قضية تختزل ب( أرض ) وان ذهبت هذه المعاني فتلك إذن قضية ( طاغوت )